#ثقافة وفنون
عبدالرحمن الحميري 26 مارس 2019
في دبي مول؛ كان الازدحام شديداً أمام السينما، بالتزامن مع نزول فيلم Captain Marvel، ومن عادتي أن أؤجل مشاهدة أفلام الأبطال الخارقين إلى منتصف الأسبوع، بعد أن تهدأ الحمّى وتلتقط القاعات أنفاسها. تفحّصت جدول العروض سريعاً، وكنت على وشك أن أغادر إذْ لم أجد ما يلفتني، قبل أن تقع عيني على عنوانٍ عربيّ، يشدّني مثل بيت شعر وسط نشرةٍ اقتصادية: (10 أيام قبل الزفة)، فتهلّلت أساريري لرؤيته، إذْ فاتني عرضه الأول في أبوظبي، وظننت أني لن أحظى بفرصةٍ ثانية لمشاهدته إلا في أحد المهرجانات السينمائية، أو على اليوتيوب بعد وقتٍ طويل. كنت ممتناً للصدفة، ولتوقيتي المثالي في المرور بالسينما قبل العرض بدقائق، ولفيلم Captain Marvel الذي تكفّل باحتواء الحشود الغفيرة، ليُخلي لنا القاعة رقم 1، ويتركنا في عدِّنا التنازلي الحالم للزفة.
في ظلال الحرب
تدور أحداث الفيلم اليمني (10 أيام قبل الزفة) في محافظة عدن، وتتناول قصة خطيبين يواجهان بعض المتاعب والعراقيل في سعيهما الحثيث للارتباط، فالشاب يبحث عن سكنٍ ملائم، ومهدّدٌ بفقدان مصدر رزقه الوحيد، والفتاة تبحث عن مهربٍ من اتكالية والدها وتربّص أخيها المتسلط، وفوق كل ذلك هناك الحرب التي تلقي بظلالها على ظروف المعيشة، وتجعل العسير أعسر. (اضحك على همّك وعيش)، لعلّ هذه العبارة من الأغنية الختامية تلخّص موضوع الفيلم، فالسخرية هي الحيلة الأخيرة، والمقاومة المُثلى في وجه المعاناة، وكما يقول الكاتب الفيلسوف فولتير: (السخرية هي سلاح الأعزل المغلوب على أمره). فكانت النتيجة أن شاهدنا فيلماً مضحكاً على كلّ ما فيه من ألمٍ وحربٍ وشقاء، يتصالح مع الحياة ويمضي بخفةٍ طبيعية ومدهشة، مثل نبتةٍ تُزهر من تحت الأنقاض.
الفن المجرد
ما أحببته حقاً في (10 أيام قبل الزفة) وزاد من احترامي لطاقم الفيلم؛ هو أنه لم يستغل ثيمة الحرب لتمرير دعاياتٍ ومصالح سياسية، أو التركيز على نزاعاتٍ معينة، ولم يتناولها إلا بما يقتضيه الواقع المفروض على الجميع، كما في ارتفاع أسعار البنزين وانقطاع الكهرباء، وانتصر للفن المجرّد من الزوائد المشوِّهة، الذي يُظهر الحياة كما هي؛ لكن كما لم نرَها من قبل، وألقى الضوء على المواطن اليمني البسيط الذي يكافح من أجل لقمة العيش، وأثرى المُشاهد بالثقافة اليمنية وطبيعة المجتمع من حيث اللهجة والملبس والأغاني والمطبخ (وآهٍ من طبق الزربيان!)، والأسواق الشعبية والقات والأمهات اللواتي يبعْن الخبز والبخور من منازلهن، بالإضافة إلى العادات والتقاليد السائدة بمحاسنها ومساوئها، وباعتباره أول فيلم يمني أشاهده في حياتي؛ أرى أنه نجح في أن يكون سفيراً لامعاً لبلاده وللفن معاً.
سفير اليمن للأوسكار
مدة الفيلم تتجاوز الساعتين، لكنني لم أشعر فيه بالملل لدقيقة، فالنص كُتب برشاقة، وأغلب الحوارات تتسم بالعفوية والظرافة التي تُبقيك مبتسماً إن لم تكن ضاحكاً، والمثير للإعجاب أن هذا الفيلم، على الأغلب، سيُرضي الجمهور والنقاد معاً، وهذا دليلٌ على ذكاء كاتبه ومخرجه (عمرو جمال) الذي يستحقّ إشادةً استثنائية على ما أنجزه على الرغم من الظروف القاهرة. بالطبع لا يخلو الفيلم من سلبيات بسيطة في رأيي، مثل بعض الصدف والمبالغات الكوميدية، بالإضافة إلى مشكلة تقنية في الصوت في أحد الحوارات، حيث بدا أنه مسجّلٌ تسجيلاً مستقلاً عن المشهد، لكنها سلبيات أصغر من أن تغيّر انطباعي عن الفيلم، وما تقدّمَ يغفر لما تأخّر. فيلم (10 أيام قبل الزفة) كان مرشّح اليمن الرسمي لسباق الأوسكار، وإن لم يصل إلى القائمة النهائية فقد وصل إلى قلوب الكثيرين، ولعلّ اسمه يشير إلى العد التنازلي لعودة اليمن سعيداً كما كان، وكما يجب أن يكون.
تذكرة لي ولكم
اقتباسات من فيلم (10 أيام قبل الزفة):
«الموت في البلاد دي أهون من العيش بهالوضع».
«اللي يحب يسامح».
«ما أطلع من عدن إلا للقبر»/ «ماهي عدن صارت قبر».
«اضحك على همك وعيش».