#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 3 يناير 2023
منذ نشأتنا ونحن صغار، وحتى الآن، ووزارة التربية والتعليم تحمل هذا الاسم، الذي يلخص الهدف الذي من أجله تعمل الوزارة، ليس في الإمارات فقط، ولكن في الكثير من الدول بمجتمعاتنا العربية؛ ولأن العملية التعليمية هي عملية بنيوية في مراحلها الأولى، تعمل على البناء العقلي والعاطفي للطفل، وبالتالي تبني سلوكيات الطفل، وتربي مفاهيمه القِيَمية على ثقافة المجتمع، وهويته الأصلية. والعملية التعليمية، قديماً، كان يتشارك فيها طرفان أساسيان، هما: المدرسة، والأسرة، اللتان كان لهما التأثير الأكبر في تنمية أخلاقيات الطفل، وتنشئته على القيم المجتمعية.
في السنوات القليلة الماضية، شاركَ المدرسة والأسرة شريكٌ بدأ على استحياء، لكن مع التطور تنامت قوته، وأصبح شريكاً رئيسياً وفاعلاً، هو شبكات التواصل الاجتماعي، التي تمتلك صفة الإبهار البصري والعاطفي والعقلي، من خلال المرونة والتنوع والإثارة العاطفية والمعرفة الخالية من العمق، التي لا ترهق العقل بالتفكير، وطرح الأسئلة والأجواء التي تخلقها وتحيط بها عالم الطفل؛ لتتفوق - في درجة الإبهار والجذب - على المدرسة وعلى الأسرة، خاصة مع ظهور تقنيات االميتافيرسب، التي مازالت في البدايات، ولم تنتشر - بَعْدُ - بالصورة التي تحولها إلى قوة مؤثرة في العالم الافتراضي؛ فأصبح هذا العالم يحتل مكانة الوزارة والأسرة، بتولي جزء كبير من مهمة التربية والتعليم.
والسؤال الذي أطرحه، والذي قد يبدو للبعض أنه بعيد، ولكن كم من الافتراضات التي ظنناها بعيدة وفي طرفة عين تصبح واقعاً يتوغل في حياتنا: هل يمكن أن يؤدي هذا التوغل إلى فصل التربية عن التعليم، خاصة مع تحول المدارس إلى مجرد كيانات شبه تعليمية فقط، ومع تزايد المدارس ذات المناهج الأجنبية، التي أصبحت تشكل النسبة الكبرى من المدارس؟.. والراصد للواقع يدرك أن العملية التربوية لم تعد تحتل الصدارة في الرحلة التعليمية، بل تتراجع، وأخشى أن يستمر هذا التراجع؛ اتكاءً على تربية أسرية أيضاً متراجعة أمام تربية العالم الافتراضي المبهرة، التي تجذب الأطفال - مثل الفراشات - ليحترقوا بنار التربية العشوائية، والهويات المشوّهة!.. من هنا، ألفت الانتباه إلى تراجع التربية القيمية والإنسانية، والتفات المدرسة والأسرة بعيداً عن بناء المنظومة الأخلاقية والقيمية واالهوياتيةب للطفل لصالح المنظومة المعرفية.. يجب أن ندرك أن الطائر لا يتزن في طيرانه إلا بجناحيه معاً!