سعود السنعوسي 13 يونيو 2019
قبلة، أقل أو أكثر بقليل.. أو شابٌّ في صحراء، يتذرَّى بجذع شجرة ليُفرغ مثانته.. أو امرأة بأوصاف جسدية مكتوبة بعناية.. من شأن ورود أمورٍ كهذه في رواية أن تخدش الحياء العام، وتصيبه بأزمةٍ نفسية كبيرة.
المأزق ليس في نديَّةٍ أبديةٍ بين الرقيب الحكومي والمبدع وحسب، إنما الأمر قد جاوز ذاك الحد، ليصير الفرد من عامة الناس رقيباً، يترصَّد قبلةً هاربة في رواية، أو دماء تدفَّقت بين ساقيّ ضحية اغتصاب، أو شتيمة بذيئة أفلتها شابٌّ طائفي متطرف قبل قتل ضحيته، أو انتفاخ بطن صبيةٍ بفعل عسكر احتلال، أو موت قاصر في الليلة الأولى في فراش الزوجية.
يحقق الرقيب «الشعبي» انتصاراً عظيماً إثر عثوره على صيدٍ سمينٍ من هذا القبيل، وينشر تلك العبارات في مواقع التواصل الاجتماعي، يسهم في تعميم الخاص لمعشر القراء والمنصرفين عن القراءة، يحشد أبطال الأمة الغيارى الذين تثيرهم الأجساد دونما إدانة لمن لطَّخها بالدماء! تخدش مسامعهم شتيمة، ولا يأبهون لجريمة قتل لحقت بها لدواعٍ طائفية. يصلبون الكاتب، ويرجمونه في الـ«هاشتاج».
هناك إشكالية حقيقية في إيجاد مفهوم واضح لمسألة خدش الآداب العامة، والجهل بما يندرج تحت هذا المفهوم، فعلاقة القارئ بالكتاب علاقة فردية محضة، ونحن لسنا إزاء مسلسل درامي يدخل كل بيت، أو مسرحية يحضرها المئات من الجمهور، أو فيلم يعرض على شاشات السينما، أو لافتات إعلانية في الشوارع، أو تسجيل فيديو متداول عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي في فضاء الإنترنت المفتوح. لا بأس بأن يتم تصنيف الكتب بحسب الفئات العمرية مع التزام الناشر والمكتبة، إنما مسألة منع الكتاب بحجة ورود مواضيع أو جمل تتعرض لأمورٍ حياتية بقدرٍ من الصراحة، فإن الأمر بعيد كل البعد عن المنطق. تحويل النصوص في الكتب إلى أمر عام كما لو أنه إعلان في الشارع أمر بعيد عن الواقع، إذ إن ما يميز الكتاب هو الخصوصية بينه وبين القارئ.
الأمر الآخر هو صعوبة الاتفاق على صيغة واضحة لما يخدش الحياء العام، على افتراض أن من شأن الكتاب أن يفعل، فإن احتواء الكتاب على مشهد قبلة على سبيل المثال من شأنه أن يخدش حياء البعض، وفق مفاهيمه، وليس بالضرورة أن يخدش حياء البعض الآخر. كما أن لكل بيتٍ وزمن أو جيل مفاهيمهم الخاصة لما يوصف بـ«الحياء العام». فأين هي المسطرة التي تحدد هذا المفهوم المطاط؟
من خلال تجربة شخصية في قضية منع رواية «فئران أمي حصة»، شدَّد القضاء الكويتي في منطوق الحكم بشأن ورود بعض المفردات في الرواية، والتي أدرجها الرقيب تحت بند «خدش الآداب العامة»، يقول القضاء: «.. ومن ثم فإنها وإن كانت تعبيراً خارجاً عن المألوف إلا أنها لا ترقى إلى تعييب بعض عبارات واقعية تلوكها الألسن»، كما تضمن الحكم أن المحكمة: «.. تؤكد حق ممارسة حرية التعبير (وإن جاوزت حد المألوف) ما دام هذا التجاوز لا ينال من ثوابت الأمة وعقيدتها».
بعد صدور الحكم، وبعد إهدار كل تلك السنوات في أروقة المحاكم من أجل لا شيء، وبعد اتهام الرواية بخدش الحياء العام ومجموعة من المخالفات المعلبة، تذكرت موضوع الرواية والاقتتال الطائفي. تلفتُّ حولي ووجدتُ الأمر أشدّ التهاباً.. تساءلت: أين هو الحياء العام؟