كارمن العسيلي 1 أكتوبر 2018
يُترجم معرض «من وحي اليابان: رواد الفن الحديث»، الذي يُنظّم في «متحف اللوفر - أبوظبي» حتى 24 نوفمبر المقبل، رسالة الانفتاح والحوار بين الثقافات والحضارات التي تشكل جوهر توجّه المتحف، من خلال إلقائه الضوء على تأثير الفن الياباني في مبادئ الفن الحديث في فرنسا بنهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. ويقدّم المعرض الذي زارته «زهرة الخليج» لزواره مجموعة من الأعمال الفنية لأبرز فنّاني حركة «لي نابي» الفرنسية وكبار معلمي الفن الياباني، التي تحتفي بالإلهام ما بين الحضارات والثقافات، وتسلط الضوء على التأثير المشترك بين الشرق والغرب في تطوير الفنون بشكل عام، وفن الديكور بشكل خاص.
أعادت هذه الأعمال المعروضة والتي تتنوع بين لوحات ومطبوعات وستائر جدارية، بعضها ينتمي إلى مجموعة «اللوفر - أبوظبي»، وبعضها الآخر تمّت استعارته للمرة الأولى من «متحف أورسيه» و«متحف غيميه» و«متحف الفنون الزخرفية» في فرنسا، رسم تأثير الفن الصوري الياباني النابض على تطور فن الديكور الفرنسي الحديث، من خلال الاستخدام المبتكر للألواح القابلة للطيّ لرواية القصص، وسردها بشكل رمزي. لقد فُتن الفنانون الفرنسيون من حركة «لي نابي» بالجانب التزييني للفن الياباني وألوانه الزاهية وطريقة ضبط الأشكال والمستويات، ولعل أكثر من تأثر فيهم الفنان بيير بونار، الذي أنتج سلسلة من السواتر الحاجبة قبل أن يفصلها إلى ألواح، أصبحت بدورها لوحات على منوال الفن الياباني.
عزم أولئك الفنانون في أواخر القرن الـ19، على إعادة التوازن إلى المجتمع الفرنسي، بتقديم صور تركز على الجوانب الروحية وتعكس التناغم الثقافي بين الإنسان والطبيعة ومُحيطه، فتحولت لوحاتهم إلى مشاهد مسرحية رمزية تسرد قصصاً عادية من الحياة اليومية بأسلوب جديد، والشخصيات فيها مجرد أطياف بارزة كالحلم، فتبدو وكأنها تطفو في فضاء اللحظة الحالية. وعلى غرار كبار معلمي فن «الأوكييو - إي»، آثر فنانو هذه الجماعة تشبيه المرأة بالطبيعة والفصول لتصوير زوال العالم، فظهرت المرأة في لوحاتهم بكل حالاتها وبأدق تفاصيلها، فكانت هناك المرأة الحبيبة والزوجة والمربية والعاملة.
قصة ولادة معرض
المنسّقة العامة لقسم اللوحات الفنية في «متحف أورسيه» ومُنسّقة معرض «من وحي اليابان: رواد الفن الحديث» إيزابيل كان، تحدثت إلى «زهرة الخليج» عن بداية فكرة المعرض الذي طلب منها أن تنظمه خصيصاً لـ«اللوفر - أبوظبي»، بحسب ما أطلعتنا عليه.
تقول إيزابيل: «طُلب منّي تنظيم معرض عن حركة فناني «لي نابي» لمتحف «اللوفر- أبوظبي»، وعندما شاهدت قاعات المتحف الواسعة والضخمة والكبيرة، أدركت على الفور أننا بحاجة إلى لوحات ضخمة الحجم، وليس لوحات «لي نابي» التي تكون أحياناً صغيرة. هنا لمعت في رأسي فكرة «الديكور» الذي يُعتبر مهماً جداً لأولئك الفنانين الذين أرادوا الخروج عن الانطباعية والواقعية، وتحويل الفن إلى ديكورات جميلة تسرد قصصاً من واقع الحياة بوحي من أسلوب الفن الياباني». وتتابع إيزابيل كان حديثها مشيرة إلى أن الجميع تحمس لفكرة المعرض، إذ عملت مع فرق من متاحف «اللوفر- أبوظبي» و«اللوفر الفرنسي» و«أورسيه» و«وكالة المتاحف الفرنسية»، على اختيار وتنسيق القطع التي تُبرز تأثير مبادئ حركة «الأكييو - إي» الجمالية على الفن الفرنسي الحديث، فضلاً عن اختيار قطع لأشهر معلمي هذا الفن، وذلك تماشياً مع فكرة المعرض وموضوعه. وتعرب عن سعادتها برؤية هذه القطع الفنية تعرض جنباً إلى جنب في مكان واحد، الأمر الذي لم يسبق أن حدث من قبل، بحسب ما أخبرتنا.
انطباع مُذهل
وعن انطباعها العام عن «اللوفر - أبوظبي»، تقول إيزابيل إنها ذُهلت بهندسته وقبّته وقاعاته الفسيحة، واصفةً إياهُ بالتحفة المعمارية الاستثنائية التي تحمل رسالة ثقافية مهمة جداً، ثم استطردت لتُعيد التأكيد على التجربة الرائعة التي خاضتها في الإعداد لهذا المعرض الاستثنائي في موضوعه وفكرته. وعن رأيها بصورة المرأة التي ظهرت في اللوحات المعروضة، توضح إيزابيل: «النساء موجودات دائماً في حياة الفنانين، فالمرأة رمز الحياة والطاقة، ولديها سحر خاص بها وجمال، وهي ترتبط طبيعياً بالفن والطبيعة لما تملكه من مميّزات، والمرأة باختصار ترمز إلى المثالية، فهي مهمة جداً في دورة الحياة واستمراريتها، كما أنها تمثل القيَم العالية والتناغم الفني بين الإنسان والطبيعة».
فن «الأوكييو - إي»
«الأكييو - إي» باليابانية تعني «العالم العائم»، وهي حركة فنية اشتهرت بتأثيرها في الفنانين في أوروبا نهاية القرن التاسع عشر. تتطلب صناعة لوحات «أوكييو - إي» دقة شديدة وإضاءة جيدة، نظراً إلى تضمّنها عملية حفر خطوط التصميم المرسوم على ورق الواشي بالحبر الأسود، على قوالب من الخشب، قبل وضع الطلاء والبدء بطباعتها. من أشهر فناني هذا الفن كاتسوشيكا هوكوساي (1760 - 1849)، أوتاغاوا هيروشيغه (1797- 1858).
جماعة «لي نابي» الفنية
هي جماعة من الفنانين الطليعيّين بعد الانطباعية، ذاع صيتها في فرنسا أواخر القرن التاسع عشر، على أنها الجماعة التي تريد أن تُعيد الرسم إلى وظيفته التزيينيّة، كديكور في القصور والمنازل. تبنّى أعضاؤها أسلوباً مبتكراً في التصوير، مستخدمين الألوان والخطوط المنحنية والزخارف، بطريقة تَخيّلية لتأثرهم بالفنان بول غوغان. وعند اكتشافهم المبادئ الجمالية للفن الياباني، قرر فنانو هذه الجماعة التخلي عن التصوير ثلاثي الأبعاد للفضاء في لوحاتهم، وفضّلوا تصوير العالم تصويراً مسطحاً بلا عُمق، باستخدام أنماط زخرفية متجاورة ومتدرجة. كانوا يعتبرون السطح ثنائي الأبعاد لأعمالهم الفنية بمثابة شاشة مسطحة، يبتكرون عليها صورة شاعرية للعالم. واعتمدوا في لوحاتهم على التبايُن في الألوان والظل والضوء.
من أبرز روّاد هذه الجماعة بول سيروزييه ( 1864 - 1927) وإدوار فوييار ( 1868 - 1940) وبيير بونار (1867 - 1947) وكير كزافييه روسيل (1867 - 1944).
