أسامة ألفا 27 نوفمبر 2018
قال المتنبي في إحدى أروع قصائده: «وخير جليس في الزمان كتاب»، ولأجل هذا الكتاب تقام المعارض الدولية والمحلية للتشجيع على القراءة واقتنائه في مختلف أرجاء الأرض، ولكن بالتوازي مع هذه التظاهرات، هناك معارض دائمة، يومية وأسبوعية، تُعنَى بالكتب والمطبوعات على اختلافها، القديم منها والجديد، تقام على أرصفة الشوارع، هي شوارع تنبض بالثقافة، ويزورها الكتّاب والمثقفون والطلاب والباحثون الأكاديميون على اختلاف ثقافاتهم وحتى الناس البسطاء، إنها شوارع احتلها تجار الكتب وسُمّيت «شوارع الثقافة».
هي حروف نادرة ومهترئة قد لا نجدها في المكتبات الكبيرة والضخمة ولا في المعارض الرسمية، وكتب تضم ملايين الكلمات التي تبحث عن ملجأ دافئ في مكتبة منزلية ما، وكتب أخرى حديثة منها مدرسية وجامعية ومتخصصة، فكل أنواع الكتب نجدها مكدسة على الأرصفة، بثمن قليل، قابل للتفاوض في أغلب الأحيان، في شوارع غلب عليها الطابعان الثقافي والتاريخي في آنٍ واحد. «زهرة الخليج» تزور أبرز خمسة شوارع كانت ولا تزال تعمر فيها تجارة الكتب، وهي الأبرز.
شارع النبي دانيال في الإسكندرية
واحد من أشهر الشوارع الرئيسية في مدينة الإسكندرية، الذي يضم مباني أثرية ودُور عبادة عديدة، إلى جانب العديد من دُور الطباعة والصحافة. لكن اللافت في هذا الشارع تجاور «أكشاك» الكتب التي تجذب نظر الزائر إلى هذا الشارع الحيوي الذي تحول إلى سوق للكتب منذ عام 1970، ويقول أحد أقدم «بائعي الكتب»، العم فاضل عبده: «الناس اعتادت على وجود الكتب القديمة والمستعملة هنا، وهذه الكتب سعرها رخيص، قد يصل إلى ربع ثمنه الحقيقي، خاصة الكتب المدرسية» ويكمل: «جمهورنا من مختلف طبقات الناس، سياسيون، أدباء، شعراء، مثقفون، وطلبة مدارس وجامعات من الصف الأول وحتى الدكتوراه». يقول العم عبده، إن عباس محمود العقاد كان يتردد بشكل دائم على هذا الشارع، ليبحث فيه عن الكتب النادرة، وكذلك الرافعي وبيرم التونسي، إضافة إلى شعراء الإسكندرية، ويُقدّر عدد الكتب الموجودة بنصف مليون كتاب تشكل قيمة ثقافية وحضارية، ولكن مشكلة الشارع تكمُن في تمدد الباعة الجوالين وتغلغلهم بين «أكشاك» وأرصفة الكتب، وهذا ما يهدد القيمة الثقافية لهذا الشارع، إضافة إلى تراجع الاهتمام بشراء الكتب التي قد لا يتجاوز سعرها «الجنيه المصري الواحد»، بغض النظر عن حجمها وأهميتها.
سور الأزبكية في القاهر
في مطلع القرن العشرين، كان بيع الكتب يتم من خلال بائعين متجولين يبحثون عن زبائنهم في مقاهٍ منتشرة في القاهرة، وفي ساعات الظهيرة كانوا يستريحون على سور حديقة الأزبكية، حتى اعتاد الناس وجودهم هناك، وبدؤوا يقصدونهم للاطّلاع على الكتب التي في حوزتهم، ومع مرور الوقت تحول سور الأزبكية إلى سوق للكتب، فانتشرت على جنبات السور وفي ممر ضيق مكتبات أغلبها ورثها أصحابها عن آبائهم وأجدادهم، ويضم السور ما يزيد على 130 مكتبة متلاصقة، يجمع بينها جميعاً شراء وبيع الكتب المستعملة، ويقصده الباحثون عن الكتب القديمة التي لم تعد دُور النشر تعيد نشرها أو طباعتها، وبأسعار زهيدة. وخصص «معرض القاهرة الدولي» قسماً خاصاً أطلق عليه سور الأزبكية، اعترافاً منه بأهمية السور
شارع الحمراء في بيروت
البعض يصف هذا الكيلو متر الذي تزين طرفيه محلات متنوعة ومقاهٍ وفنادق و«أكشاك» بيع الصحف والمجلات والكتب، بأنه رئة بيروت الثقافية، إنه شارع الحمراء الشهير الذي لا يخلو مقهى فيه من أديب معروف أو شاعر أو إعلامي يحتسي قهوته ويقرأ كتابه أو جريدته، ولا تخلو زاوية فيه إلا ويفترش بائع للكتب كتبه أو يعرضها على رفرف «كشكه»، كتب ليست بكثيرة ولكنها متنوعة، وشارع الحمراء فيه مكتبات شهيرة أهمها مكتبة أنطون التي يقصدها كل من يبحث عن كتاب نادر، إضافة إلى باعة الكتب المستعملة الذين يزداد وجودهم في الأغلب أيام عطلة نهاية الأسبوع، والذين يبيعون ويشترون الكتب المستعملة.
شارع الحلبوني في دمشق
لا يعتبر شارع الحلبوني شارعاً ثقافياً وحسب، بل كان مكاناً لصناعة الكتب كذلك، بداية من تجّار الورق إلى الخطاطين إلى دُور الطباعة والنشر، وصولاً إلى المكتبات والموزعين، شارع تم أخذ اسمه من اسم حسن الحلبوني، الذي بنى قصره وسط هذا الشارع، وكان يلتقي أصحاب المكتبات قبل كل صلاة، مما زاد الاهتمام بصناعة الكتاب في هذا الشارع الذي يضم اليوم ما يزيد على 100 مكتبة، من بينها 75 داراً للنشر، هي ربع عدد دور النشر الموجودة في سوريا كلها، ويقول عبد الله السيد، صاحب إحدى دور النشر: «هنا، صدر أول كتاب تم طبعه في «دمشق»، ويعتبر هذا الشارع مرجعاً لكثير من الدول العربية، فهو المركز الذي نبع منه الكتاب، نظراً إلى أن أسواق الكتب التي كانت تُدعى أسواق الوراقين في البلدان العربية كانت قليلة، هذه السوق العريقة تعج بأشخاص وأناس همهم الوحيد طباعة الكتب ونشرها، بغية إيصال أفكارهم وآرائهم وما يريدون أن يصلوه إلى أصقاع هذه الأرض العريقة».
شارع المتنبي في بغداد
يتوسط شارع المتنبي مدينة بغداد، قرب شارع الرشيد، وهو السوق الثقافية لأهل المدينة، ويضم مطبعة تعود للقرن التاسع عشر، وعدداً من المكتبات، ولكن هذا الشارع يتحول إلى سوق ثقافية حقيقية كل يوم جمعة، حيث يتوافد إليه البائعون والمشترون لتبادل الكتب، ومنذ إنشائه خلال العصر العباسي تحت اسم سوق الورّاقين إلى اليوم يعد سوقاً مزدهرة بالكتب، إذ يعج بالمئات من المكتبات التي تعرض آلاف العناوين والإصدارات وحتى المخطوطات النفيسة، فضلاً عن باعة الأرصفة، حيث يفترش أصحابها آلاف الكتب الحديثة والنادرة، إضافة إلى ما تحتضنه المنطقة من معارض فنية، ومجالس ومنتديات ثقافية، ومنابر للرأي في ساحاته ومقاهيه. يقول الحاج محمد الخشالي، صاحب «مقهى الشابندر» الشهير: «تغيرت أسماء هذا الشارع أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية (132/656 للهجرة)، فقد بدأ بدرب القلغ وسوق السراي وشارع حسن باشا، وتعود تسميته بحسن باشا لكون هذا القائد العثماني فتحه أول مرة، ليكون مسلكاً يذهب من خلاله إلى جامع السراي. وفي زمن العثمانيين تحول اسمه إلى «الاكمك خانة»، إلى أن سمّاه الملك غازي عام 1932 باسمه الحالي شارع المتنبي».