د. عائشة بنت بطي بن بشر 17 أغسطس 2019
مشهد بالتأكيد مرّ أمام كثير منّا وتكرر، منذ مرحلة الطفولة وحتى يومنا هذا، وهو أن يُسرع طفل يحمل نموذجاً بناه من مكعّبات البناء فرحاً ليريه لشخص بالغ، ولكن سرعان ما يدير ذلك الشخص وجهه عنه ولا يعيره اهتماماً، أو أن يريه رسماً وكذلك يكون رد فعل المتلقي بروداً وعدم اهتمام. مجرّد قراءة وصف تلك السلوكيات دون رؤيتها، يستحضر في الأذهان مجموعة من المشاعر السلبية التي لا يحبّها أي إنسان سوي. المثال المتعلق بالطفل على بساطته له نسُخ عدة في عالمنا وهو درس يستحقّ أن يقف عنده الإنسان، ويحذر أن يسمح بحدوثه في محيطه أو في نطاق صلاحياته.
مرة أخرى تعود بي تغريدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، إلى دروس الحياة عبر سلسلة #علمتني_الحياة، وأشير تحديداً إلى هذا الجزء «علمتني الحياة ألا أنتظر أفكاراً من شخص يجيد تحطيم أفكار الآخرين»، والحديث هنا عن نموذج موجود في كثير من الأماكن حولنا، موجود بأبسط الصور، كطفل نشأ لا يحب الخير لغيره، ويقلل من إنجازهم بدافع الغيرة وعدم تلقّيه التوجيه من والديه، وموجود بين البالغين بصورته الصريحة أو متخفياً.
غالباً ينشغل الناس بعملية البناء وتحقيق الإنجاز، ووسط انبهارهم بما تحقق، يغفلون عن أولئك الذي يهدمون بصمت، وذلك ينطبق على مختلف نواحي الحياة. لذا لا بد من أن يكون تقدير الآخرين والتعبير عن شعورنا الصادق نحوهم، جزءاً من تربيتنا لأبنائنا ولاحقاً جزءاً من العملية التعليمية، وصولاً للدرجات الجامعية العليا. لأن من يتعمّد التقليل من أفكار الآخرين وإنجازاتهم لن يكون منتجاً أو عنصراً بنّاء وإيجابياً في المجتمع.
علينا كأولياء أمور وكقادة في مؤسساتنا، أن نرصد هذا النوع من السلوكيات ولا نسمح له بأن يكون جزءاً ولو بسيطاً من شخصية الأسرة أو الفريق. في حالة تربية الأبناء قد تكون المساحة أكبر للسيطرة على مثل هذا السلوك ونبذه، من خلال إعطاء القدوة الحسنة والحوار، ولكن في البيئات المؤسسية يجب ألا نتهاون مع من يستخدم صلاحياته، لمحاربة أفكار المبتكرين والناجحين، ونبني بيئات مؤسسية نابذة لمثل هذا السلوك عبر تعزيز الشفافية والاحتفال بأصحاب الإنجازات والأفكار البنّاءة. ما موقفكم في المرة المقبلة التي ترون فيه أحداً يحاول هدم مكعبات بناء، سواء كان صريحاً أو متخفياً؟ لا تفتحوا لهم قلوبكم ولا تشعروهم بأنهم مرحّب بأفكارهم في مؤسساتكم.