رحاب الشيخ 9 يونيو 2020
في زمن الحجر المنزلي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي، الكثير من النكات الساخرة السلبية التي تلمح إلى أن جائحة كورونا سوف تزيد من نسب الطلاق بين الأزواج بسبب سلوكيات تنتج عن المكوث معاً لوقت طويل، لكن العكس تماماً هو ما حدث، حيث حقق البقاء في المنزل إيجابيات عديدة، من أهمها التضامن الأسري وزيادة التواصل بين أفراد العائلة الواحدة، بل وتغيرت سلوكيات الكثيرين إلى الأفضل وبدأت تفرز المواهب والهوايات والإبداعات والتعرف إلى مهارات الأبناء، وتعليمهم مهارات جديدة من قبل الوالدين أو حتى الجد والجدة في الأسر الممتدة.. «زهرة الخليج» رصدت تفاعل الناس مع تداعيات الحجر المنزلي بسبب كوفيد 19».
الاهتمام بالأسرة
تقول منال أمين، موظفة، إن فترة الحجر المنزلي أتاحت لها فرصة رعاية شؤون أبنائها ومساعدتهم في شرح المقررات الدراسية، وفي الوقت نفسه زادت إنتاجيتها في العمل. موضحة: «كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساء، الأمر الذي أثر في حياتي الأسرية، فكثيراً ما لجأت إلى طلب الطعام الجاهز نظراً إلى ضيق الوقت لصنعه، ولم أكن أهتم بأبنائي كما ينبغي، حتى طفلتي كانت ترفض الرضاعة الطبيعية وتقبل على الحليب الصناعي»، لكن الحجر المنزلي زاد من تواصلي مع عائلتي، وخصصت لهم وقتاً كافياً، لم يؤثر إطلاقاً في التزامي بالعمل عن بعد.
رعاية الوالد
تقول غنيمة الحمادي، موظفة، إن الحجر المنزلي فرض التباعد الجسدي، إلا أنه في الوقت نفسه قرب المسافات بين أفراد عائلتي. وتضيف: «أصبح لديَّ الوقت الكافي للتواصل الدائم مع والدي المُسن بشكل يومي، وأيضاً مع العديد من أفراد العائلة من ضمنهم الأبناء والبنات والأحفاد أيضاً. نحن كعائلة حرصنا على عدم خروج الوالد من البيت خوفاً على صحته، وأدى ذلك إلى توزيع المسؤوليات بيني وبين إخوتي لتلبية احتياجاته والقيام بالمهام التي يجب عليه إنجازها».
التلاحم والترابط
محمد العامري، رجل إطفاء في الدفاع المدني، يقول: «نشأنا على نهج المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتعمقنا في مفهوم التلاحم والترابط الأسري وقد غرسه فينا منذ الصغر، لذلك لم تؤثر فينا تداعيات جائحة كورونا». وعن زوجاته الثلاث، يقول محمد: «أكرمني الله بثلاث زوجات صالحات يقدرن الحياة الزوجية، ورزقت منهن بـ15 ابناً وابنة، وفي فترة البقاء في المنزل بسبب فيروس كورونا، ازداد التلاحم الأسري بين زوجاتي، إذ يقمن الثلاث في نفس البيت مع أبنائهن ويخيم على المكان الهدوء والسكينة والمحبة، وأصبحت كل واحدة تعتبر الأخرى أختاً لها».
وحول طريقة تعامله مع زوجاته، يوضح: «اتفقت مع زوجاتي منذ أول يوم أن نتفاهم في أمور خلافاتنا الأسرية بعيداً عن الأبناء، حتى نحافظ على مشاعرهم ونجنبهم الأزمات النفسية، فضلاً عن أن عملي يتطلب مني البقاء خارج المنزل لمدة أسبوع أو أكثر تقريباً، وهو ما يسير في إطار من الاحترام المتبادل». وعن الهوايات التي يمارسها مع عائلته في أجواء الحظر والبقاء داخل المنزل، يشير إلى أنه يمارس الرياضة بصورة يومية مع أبنائه بهدف الحفاظ على الصحة.
التباعد الجسدي
تقول الدكتورة موزة الشومي، نائب رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، إن التباعد الجسدي من أجل الحفاظ على الصحة، يختلف عن التباعد الأسري والنفسي بين أفراد الأسرة الواحدة، لذلك التباعد بين أفراد الأسرة كان جسدياً فقط، بينما ظلت الروابط الأصيلة والحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة أكثر تماسكاً وترابطاً.
وتلفت الدكتورة موزة إلى أن التقارب الأسري حدث بالفعل بين الناس، بسبب جائحة كورونا، بعكس ما يتناقل من سلبيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أن الجائحة ستكون سبباً في طلاق الأزواج وتشتت الأبناء وحدوث الكثير من الشجار والمشاحنات بين أفراد الأسرة الواحدة حتى لو على سبيل المزاح.
وتوضح: «الحجر المنزلي ساعد على تعزيز الروابط الأسرية بعد أن أصبح الوالدان والأبناء في المنزل طوال الوقت، فازدادت مشاركاتهم في الأنشطة المشتركة والإبداع في خلق أنشطة جديدة لتحدي الملل، واجتمع الكل حول مائدة الطعام وبات الحوار المفتوح أمراً طبيعياً طوال الوقت، وبدأ الأطفال في تعلم القيم والعادات والتقاليد من الوالدين أو الجد والجدة في الأسر الممتدة، وهذا ما كنا ننادي به قبل أزمة كورونا، الآن وصلنا له بمنتهى السهولة».
القدوة الحسنة
يقول الدكتور نجيب محفوظ، أخصائي اجتماعي، إن التباعد الجسدي في حقيقة الأمر هو تقارب أسري وروحي، جاء هدية سماوية لأفراد المجتمع على مختلف طبقاته، مضيفاً أنه منحة من السماء. ويشير إلى أن تلك الدقائق المحدودة التي كان يبخل بها الآباء على أبنائهم بسبب الانشغال، أصبحت ساعات تمنح بغير حساب، مضيفاً: «نحن ندرك مدى احتياج الأبناء إلى الاهتمام والرعاية الوجدانية، أكثر من حاجتهم المادية، وحاجة الأبناء للقدوة الحية التي تتجسد في الوالدين في سكناتهم وانفعالاتهم بدلاً من اللجوء إلى القدوات الوهمية التي لا تمت لثقافتنا وديننا بصله، مما يورد الأبناء المهالك».