إضاعة الوقت أشدّ من الموت، فكيف إذا خسر الإنسان وقته بالتفكير في الموت؟ لا يختلف اثنان على أن الإنسان قد يمر بظروف قاهرة، قد تكون صحية أو وبائية أو نفسية، تنقلب فيها الألوان الربيعية إلى الأسود الحالك، ولا يعود قادراً على الخروج من فكي القلق.. حسانة، ابنة الأربعين، تعيش أسيرة القلق الهائل حد الهلع وخوفها من المرض والموت، أو من موت من تُحب، يجعلها تموت في اليوم القصير مرات. فهل تعاني مرضاً نفسياً؟ هل هو تأثير وباء «كوفيد 19» الذي ضرب جنبات الكرة الأرضية وحصد من حصد؟ هل كل البشر معرضون ليسطو عليهم هذا النوع من المشاعر؟ وهل يمكنهم الخروج من هذه الحالة سالمين آمنين؟
ليس الكبار وحدهم مَن يقلقون مِن المرض والموت، الصغار أيضاً، وهذا ما دفع الدكتور أنطوان الشرتوني، الاختصاصي في الأمراض النفسية، إلى محاولة تفسير الموت، لا سيما للصغار، في شكل مبسط قائلاً: «المراهقون يقعون فريسة سهلة لتخيلاتهم التي لا أساس لها غالباً، خصوصاً حين يكبرون في عائلات أو في أجواء مفعمة بالمشكلات، فتزداد مخاوفهم وينقص شعورهم بالأمان. والصغار يتعلمون الخوف من الأهالي والإخوة والأخوات والأقارب والمحيط، كما يتعلمون الكلام والمبادئ والمشي، فإذا كان أحد أفراد العائلة يخاف البرق والرعد، فسيقلد الصغير الكبير وسينتقل الخوف إليه. ويخاف الإنسان، الكبير كما الصغير، من الانفصال بسبب الموت، خاصة حين تشتد الأزمات وتتفشى الأوبئة ويموت كثيرون فجأة أو يسمعون عن موت الكثيرين».

خوف غير عقلاني
حين يُصبح الخوف غير العقلاني من الموت هوساً، يتطور إلى اضطراب يبدأ بالتأثير في الصحة العقلية، فلننظر إلى النصف الملآن من الكوب ولندخل أكثر في التفاصيل، هناك مصطلح «رهاب الموت» ومن يصاب به يقلق من الموت ويخشاه ويُصبح أكثر تركيزاً عليه.
مرّ العالم بأسره بمشاعر متناقضة بعيد تفشي فيروس «كوفيد 19»، تتأرجح ما بين الخوف من تسلله إلى بيوتهم وأجسادهم، وبين الأمل في أن لا بُدّ للعلم أن ينتصر. هذه المشاعر المتناقضة، المتباينة والمتضاربة توجتها مشاعر عارمة من القلق والخوف من فقدان عزيز. وكمّ نظر الكبار في عيون أولادهم في سبيل تلمس خبر إيجابي فيه أمل، وكم حاول الأولاد إشاحة أنظارهم عن آبائهم وأمهاتهم المسنين خشية أن يشعروا بخوفهم عليهم. تلك المشاعر عززت حالة الخوف من الموت وباتت عند البعض «مرضية». وهذه الحالة واحدة من حالات يرخي فيها هذا الاضطراب النفسي بحاله على أشخاص وينغص أعمارهم.

قدرات نفسية
بعيداً عن «كوفيد 19» الذي سيعبر، ماذا عن قدرات البشر النفسية على استيعاب الخوف وتحويله إلى إيمان بأن ما «قدّر سيحدث»، وكل ما سيحدث للإنسان هو بقضاء وقدر؟
يقول الفنان والمخرج الأميركي وودي آلان، بأسلوبه الكوميدي وهو على عتبة الرحيل: «لست خائفاً من الموت لكني لا أريد أن أكون موجوداً حين يصل». كلام آلان طبيعي جداً، لكن ما ليس طبيعياً هو أن يفكر إنسان، بكامل قوته وعطائه، في الموت ليل نهار. ويردّ علم النفس هذه الحالات إلى اللا واقعية والتخيلات الكثيرة التي تجتاح الإنسان ولا أساس لها غالباً.
وفي التفاصيل، أن الرعب الذي يعيشه البعض ينطوي على الخوف من الألم الجسدي، ومن اعتبار الموت، حتى عند بعض المؤمنين، محطة غامضة يقف عندها «الوعي» ويتلاشى.. الرعب من الموت سببه أن لا أحد ذهب وعاد ليُخبر الناس، الذين يحتاجون إلى براهين، عن ذاك الانتقال، خصوصاً أن كلّ الكلام، في اللحظات الصعبة، يكون عن أسوأ السيناريوهات، وأسوؤها هو الموت. مما يجعل كثيرين ينظرون إلى الموت على أنه أسوأ حتى من الألم والمرض والمعاناة.
في كلِّ حال، قلة تعرف أن «فوبوس» في الميثولوجيا الإغريقية كان واحداً من أبناء إله الحرب واسمه يعني الخوف والهلع. وطبيعي أن يشعر البشر بفوبيا الخوف من الموت في كل مرة يواجهون فيها أمراً ليس في الخاطر ولا على البال، لكن، حين يسيطر عليهم هذا الهلع ليل نهار نكون أمام حالة نفسية تحتاج إلى علاج. وهذا القلق النادر التحدث عنه يؤثر، بشكل خطير، في أنماط حياة البشر وصحاتهم العاطفية.

مواجهة الخوف
ينطلق الطب النفسي من نظرية الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية «إرنست بيكر» التي تقضي بإدارة الإرهاب، حيث على البشر التعامل باستمرار مع الصراع الداخلي، و«لهاثهم» الدائم وراء الأشياء المادية وكأنهم سيبقون إلى أبد الآبدين. يتصرف الناس في حياتهم وكأنهم خالدون لذا حين يشعرون بالقلق إزاء خطر داهم، مثل وباء يتفشى أو بركان يثور، فإنهم يقعون في براثن القلق الهائل ولا يعود بعضهم قادراً على التفكير في غيرِ الموت.

ماذا عن العلاج؟
هناك ما يُسمى في علم النفس «نظرية النمو ما بعد الصدمة»، حيث إن الإنسان الذي يمرّ بحدث مؤلم أو بخوف كبير أو بداء خطير سيتخطى كل المشاعر السلبية التي شعر بها، بعد انتهاء تلك الأحداث، على أن يكون لها تأثير إيجابي فيه، بحيث يصبح أكثر تقديراً للأشياء الصغيرة في الحياة. ويبدو أن النساء أكثر عرضة من الرجال لمواجهة القلق والخوف من مكروه ما يسبب موت حبيب أو قريب أو حتى أنفسهن. وتشير الدراسات إلى أن النساء في العشرينات يواجهن هذا القلق أكثر من سواهن ومن بلغن الخمسين أيضاً، غير أنه كلما ارتفع منسوب الوعي والحالة الاجتماعية والتعليمية للشخص، وكلما كان مؤمناً أكثر، انخفض قلقه من الموت وأصبح أكثر ثقة بأن الأمل دائماً موجود.
يقول علم النفس بوجوب أن يحدد كل شخص في هذه الحياة أهدافه بوضوح على أن يضع أهدافاً قصيرة وأخرى متوسطة وثالثة طويلة المدى، وأن يستمتع في  كل محطة من هذه المحطات بدل أن يعيش هوس الموت الدائم، وهذا لن يتحقق من دون «تطوير استراتيجيات التكيف» خاصة في المواقف الصعبة التي تؤدي إلى استثارة القلق مثل قلق الموت أو المرض المفاجئ أو حدوث أزمة عاطفية.

حين نخاف كثيراً  نضحك كثيراً!
كم من مرة استغربتم مشهد إنسان، في مأتم ما أو أمام مصيبة ما، يضحك ويظل يضحك بشكل هستيري! والسؤال، لماذا؟
هذه 5 أسباب تجعلنا نضحك كثيراً حين نقلق أو نخاف كثيراً؟
1 - حين يسقط أحدهم أرضاً أمامنا نضحك، من دون أن ندري لماذا، ثم نهرع نحوه لمساعدته، وهذه إشارة إلى أن العواطف الإيجابية قد تتحول إلى ضحك.
2 - في لحظات الخطر، يراوغ الإنسان بحركات جسدية شتى، بينها الضحك، ظناً منه أنه قد يتجنب بتلك الحركات الصراع.
3 - يقال، إن لدى الإنسان «ابتسامة عصبية» هي رد فعله تجاه التوتر أو الارتباك أو القلق، لأنه يريد أن يجعل نفسه يفكر في أن الشيء الفظيع الذي يواجهه، أو قد يواجهه، ليس فظيعاً.
4 - يُقال في علم النفس إن 80% من بين أكثر من 1200 «نوبة ضحك» غير حقيقية، ونكتشفها في أنها تأتي من الحلق وليس من الأعماق. إنها «ضحكات» متوترة.
5 - يضحك الإنسان عندما يحتاج إلى إظهار نفسه وكأنه قادر على السيطرة على التوتر والقلق والخوف، في محاولة دفاعية لا واعيه منه للتهدئة.

 

مشاهير عانوا الاكتئاب من الخوف
• هاوي مانديل: عاني الممثل الكندي هاوي مانديل اضطراب الوسواس القهري، الأمر الذي يصيبه باستمرار بالقلق الشديد من كل شيء، وشعوره بالحاجة لتنظيف نفسه باستمرار.
• ناعومي جود: عانت المغنية الأميركية ناعومي جود التهاب الكبد الفيروسي، الأمر الذي أصابها بنوبات من الاكتئاب والهلع الشديد، وقالت إنها عندما تصاب بتلك النوبات تشعر أنها مصابة بنوبة قلبية.
• درو باريمور: عانت الممثلة الأميركية درو باريمور من مشاكل عقلية سببت لها الاكتئاب، مما دفعها في إحدى المرات للإقدام على الانتحار.