بينما العلماء كانوا مشغولون، بالبحث عن علاج أو لقاح لفيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، كان الناس في بيوتهم ينتظرون الخروج من النفق المظلم لهذه الجائحة، التي لم يشهدوا مثيلاً لها من قبل، وإن كانوا قد سمعوا عن وباءات عمت الأرض فيما مضى، لكنهم يختبرون الأمر بأنفسهم ولأول مرة. الأزمة الطارئة التي أرخت بظلالها على الناس، دفعتهم للقيام بالعديد من الأمور الإيجابية، في تعاملاتهم اليومية والاجتماعية، داخل المنزل وخارجه، فماذا تعلمنا من الأزمة؟، وهل من الممكن أن نستمر إيجابيين ونظل متمسكين بما انعكس إيجاباً على حياتنا وتعاملاتنا اليومية بعد انقضاء الجائحة.. «زهرة الخليج» التقت ببعض ممن حددوا الخطوات التي بدأوا السير عليها.

وقف الإسراف
تشير ماجدة راشد الزاملي (معلمة) إلى أن جائحة كورونا جاءت منحة وهبة من الله عز وجل، ليتعلم البعض أهمية عدم الإسراف والبذخ لكن بطريقة عملية، موضحة: «ترديد العبارات والكلمات من الأمور السهلة، لكن تطبيقها الحقيقي كان مع الإجراءات التي تحتم علينا القيام بها في ظل الفيروس، وهو ما كان ينقصنا بالفعل». وتشير الزاملي إلى أنها تعتبر وباء كورونا «منحة» تعلمت منها الحكمة والعبرة والعظة، لاسيما وهي ترى الاقتصاد العالمي في كساد عظيم والكثير من الموظفين والعمال تركوا وظائفهم وأصبحوا بلا عمل، وتحمد الله على أنها لا تزال على رأس عملها حتى لو عن بعد. وتضيف: «كثيراً ما كنت أسأل نفسي، عن اهتمامي وعائلتي بالمواظبة على شراء الهواتف النقالة والألواح الذكية الأحدث فالأحدث، من دون اهتمام بالمبالغ المالية المهدرة على كماليات غير ضرورية، حتى أتت جائحة كورونا لنقرر جميعاً في عائلتنا إيقاف هذا الإسراف التكنولوجي، وقررنا أن نبادر بجمع المبالغ الفائضة عن الحاجة في حصالة والتبرع بها بشكل دوري».

نعمة الحياة
ويقول عبد الأحد سعيد، موظف في إحدى الجهات الحكومية، إنه أصيب بفيروس كورونا ولم يعلم ذلك إلا بعد فترة، لأن أعراض الفيروس لم تظهر عليه واكتشف إصابته من خلال الفحص الدوري الذي نظمته الشركة التي يعمل بها للتأكد من سلامة موظفيها. ويضيف: «الأمر في بدايته كان صدمة كبيرة بالنسبة لي، وشعرت بدنو الأجل خاصة في فترة الحجر، إذ كنت أشعر بأن الموت يدق بابي في كل لحظة. وأثناء انعزالي بدأت أعيد حساباتي وأفكر في كل حياتي من جديد، زوجتي، أبنائي، والدتي الكفيفة التي تحتاج لوجودي إلى جوارها، وكيف ستكون حياتهم من دوني، وأنا نفسي ماذا سأفعل إذا شفيت؟، هل الحياة تستحق كل هذا الصراع والتكالب على المال والنفوذ؟ وظلت كل هذه الأسئلة تدور برأسي إلى أن عافاني الله وقررت أن أبدأ حياة جديدة». ويشير سعيد إلى أنه وضع خطة مكتوبة هو وزوجته لترشيد الاستهلاك، والتخلص من أي سلبيات في العلاقة الزوجية وفتح باب النقاش والحوار مع الأبناء، وعدم التذمر أبداً لأي مكروه قد يمر به. ويضيف: «تعلمت المعنى الحقيقي، لأن يحافظ الإنسان على عمله ولقمة العيش التي كثيراً ما كنا نتمرد عليها ونستخدم عبارات (زهق، ملل، أين الإجازات والحوافز المادية؟، فلان راتبه أعلى ويعمل في نفس المجال) كورونا علمتني أن الحياة أبسط وأجمل، وفيها ما يستحق أن نحيا من أجله».

سلوكيات إيجابية
يرى عيسى المسكري، خبير الاستشارات الأسرية، أن فيروس كورونا علمنا كيفية حل المعادلة الحسابية الكونية التي لم نعها من قبل، وهي (1+1= ؟؟؟؟؟). موضحاً: «البعض كانت إجابته ألف، والآخر مليون أو ملايين، فقد امتلأت قلوبهم بالجشع والطمع والركض وراء الدنيا وشهواتها، أما البعض الآخر فكانت إجابتهم على تلك المعادلة صفراً أو ما دون ذلك، وهؤلاء هم الأشخاص المظلومون في تلك الحياة، لاسيما أن هناك من يعاني الجوع حول العالم، ومن يموت بسبب السمنة». ويزيد المسكري: «جاءت هذه الأزمة لترشدنا إلى الإجابة الصحيحة لتلك المعادلة الحسابية، فتكاتف العالم من جديد ليتعاطف الغني مع الفقير، وأصبح هم الجميع وشغلهم الشاغل هو التخلص من ذلك الكابوس المزعج وأصبح العالم يداً واحدة، حتى الأشجار والبحار والطبيعة التي كانت تعاني التلوث الذي نسببه لها تنفست الصعداء، بعدما نفذنا الحجر المنزلي وبقينا في منازلنا».
ويخلص المسكري إلى أن «أزمة كورونا كانت ماضياً علينا أن ننسى سلبياته وأي آلام أو خوف أو ضجر مررنا به، ونتذكر فقط ما تركته فينا من إيجابيات، فنستمسك بمجاهدة النفس واتباع الشرع الحنيف والالتزام بكل السلوكيات الإيجابية، التي اضطررنا إلى تنفيذها في زمن الحجر المنزلي والاستمرار في التمسك بالنظافة والتعقيم، والبعد عن الشح والبخل والأنانية، والاستمرار في الحفاظ على القيم العائلية، وأن نتوقف عن التبذير ونعطي كل ذي حق حقه، وهكذا تكون كورونا خير معين للحفاظ على العائلات من التصدع الأسري وللمجتمع بأكمله كي يحيا حياة طبيعية خالية من الملوثات والآفات».

تخطيط للمستقبل
تقول نعيمة قاسم، الاستشارية الأسرية والخبيرة التربوية: «استيقظ الجيل الجديد فجأة فوجد مدرسته هي البيت ومعلمته أمه، وجد العالم يتهاوى اقتصاده برمشة عين، وتتوقف أساطيله وطائراته؛ ليدرك أن رؤية دولته الإمارات، في عام الاستعداد للخمسين تضع على طاولة التخطيط إعادة ترتيب الأولويات، فالصحة قبل التعليم والتعليم قبل الترفيه والأصالة والعادات والتقاليد قبل العولمة، وقد نجحت في تخطي الأزمة وفق ضوابط وقواعد وقوانين كانت محضرة لها في بنيتها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية».
تلفت قاسم النظر إلى أن الأسر عليها مهام كبيرة كانت غافلة عنها، في بناء شخصية الأبناء وطريقة تفكيرهم نحو الخدم والسفر وشراء الكماليات بلا ضرورة لها أو ترف زائد. وتقول: «نحتاج بالتأكيد لبناء جيل يخدم نفسه بنفسه حين تغادر العمالة لبلادها نتيجة أزمة طارئة، وأن السيارة أياً كان نوعها أو سعرها هي ما تحقق هدفها وهو أنها مجرد وسيلة تنقل، وأن غذاءه الصحي هو القوة لجهاز مناعته لا الحارس المرافق له».


خيرالمشاهير
من ضمن الإيجابيات التي شهدها الناس أثناء جائحة كورونا، تكاتف بعض مشاهير الفن والرياضة على دعم الأسر المتضررة من تداعيات «كوفيد 19». ومن أبرز المشاهير الذين ساهموا في دعم المتضررين، الفنان تامر حسني الذي أعلن تكفله بإعالة 400 أسرة مصرية، وكذلك الفنانة منى زكي، التي أعلنت دعمها لـ80 أسرة. فيما تكلفت الفنانة التونسية هند صبري باحتياجات 100 أسرة مصرية، بالإضافة إلى التبرع بمبلغ 50 ألف دينار لوزارة الصحة التونسية في حملتها لمقاومة الوباء.