العزلة التي تفرضها علينا ظروف معينة، هل نتعامل معها بإيجابية ونعتبرها فرصة للخروج من دائرة الروتين التي نعيشها عادةً، أم نستسلم بسلبية ونعتبرها عبئاً يثقل أرواحنا وكابوساً نسعى إلى التخلص منه، في رواية (حارس المدينة الضائعة) لكاتبها الأستاذ إبراهيم نصر الله، يستيقظ «سعيد» - بطل الرواية - فيجد المدينة وقد تحولت إلى فضاءٍ خاوٍ!
يسير مفتشاً عن الناس وعن أي مظهر للحياة في المدينة، فلا يجد إلا شوارع ومباني خاوية خلت من سكانها ومرتاديها، ومن أي كائن حي حتى الحيوانات منهم!
هل يستسلم سعيد لقدره ويعيش أيامه وحيداً في عزلة فُرضت عليه من دون أن يعرف أسبابها، أم يظل يفتش عن طريقة تعيد للحياة صخبها؟
نراه في الرواية وقد بدأ يجتر ذكريات حياته، وكأنه يعيشها من جديد، في محاولة منه لسد فراغ الإحساس بالوحدة والعزلة المفروضة عليه!
ورغم أنه كان من المستبعد في وقت من الأوقات أن يتعرض أحد منا لما تعرض له (سعيد) في الرواية الغريبة والمنتمية إلى الأدب الساخر، وربما يجد القارئ صعوبة في استيعاب ما يحصل مع البطل، ويعتبر أن أحداثها مجرد مبالغة قد يلجأ إليها الكُتاب لإيصال فكرة معينة.
ولكن بعد كل ما يمر علينا من أحداث بسبب انتشار فيروس كورونا الذي اجتاح العالم، لم تعد هذه الفكرة مستبعدة، ففي لحظة فارقة استيقظ العالم كله وقد أصبح ضحية عزلة قسرية؛ علينا أن نتعامل معها كما يتعامل البحارة مع عاصفة مفاجئة ينتظرون مرورها عليهم بسلام.
في موقف لم أتخيل يوماً أن أمر به اضطرتني الظروف إلى دخول مبنى الجمارك بمطار البحرين الدولي لتستلم حقيبة زوجي، كانت القاعة التي تعج عادةً بصخب المسافرين وهم ينتظرون حقائبهم خاويةً تماماً إلا من موظفين اثنين وحسب!
أحزمة الحقائب متوقفة، وبرودة المكان كانت تضفي على المشهد الكثير من الرهبة، تسلمت الحقيبة وخرجت أجرها خلفي، تساءلت بيني وبين نفسي؛ إذا ما كان هذا الوضع سيستمر طويلاً، وكيف لنا أن نواجهه؟
كل ما أدركته وقتها أننا أمام امتحان قاسٍ علينا اجتيازه بنجاح وقوة، حتى وإن طال زمنه.