في غضون بضعة أشهر فقط، قلب الفيروس التاجي العالم رأساً على عقب، ومع زيادة معدل الإصابة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» ودخول البلدان العزل المنزلي، أجبر تفشي الجائحة مئات الملايين من الناس حول العالم على التعامل مع كثير من القيود التي مزقت نسيج الحياة الطبيعية، بما يمثل انقطاعاً مفاجئاً عن أسلوبهم المعتاد باستثناء الاحتياجات الأساسية، لكن البشر أثبتوا أنهم كائنات اجتماعية تحب الحياة، وبدؤوا في البحث عن طرق مبدعة وملهمة للتعامل مع الواقع الجديد، فوجدوا سبلاً للعيش والتعايش ومارسوا أعمالهم وأقاموا أفراحهم وتابع التلاميذ دراستهم، فكيف حدث ذلك؟ «زهرة الخليج» تستعرض نماذج من تعامل الناس مع الحجر الصحي والعزل المنزلي وجهودهم في ضبط واقعهم على إيقاع زمن الكورونا المحاط بالمحاذير، ليكسروا حلقة العزلة ليتحدّوها وينتصروا للحياة.

العمل عن بعد
الذهاب إلى أماكن العمل روتين يعيشه الناس كل يوم لكسب أرزاقهم، لكن مع انتشار جائحة «كوفيد 19»، لم يكن ذلك ليسير بطريقة طبيعية، وللمحافظة على موظفيها ومستقبل أعمالها، لم تجد ملايين الشركات حول العالم أفضل من تطبيق نظام (العمل عن بعد) وساعدتهم في تحقيق الأمر، التطورات الكبيرة في التقنيات الرقمية والبرمجيات والشبكات، إذ جعلت العمل من المنزل أسهل بكثير، حيث تعقد الاجتماعات بين الموظفين والمديرين وتتم متابعة التكليفات، وسهولة سير العمل مكنت الكثيرين من إجراء عملهم في البيت، وأكد نجاح التجربة أن هنالك مهناً حيوية بإمكان أصحابها أن يعملوا بنفس الكفاءة من دون ضرورة وجودهم في مكاتبهم في مهن كثيرة، منها: المبيعات، القانون، الإعلام، والمهن الإدارية.

التعلم في البيت
اغلق فيروس كورونا ملايين المدارس حول العالم، من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي والجامعي بسبب مخاوف انتشار المرض، ووسط خوف الطلاب وأهاليهم على مستقبلهم الدراسي، سرعان ما انتشرت صفوف (التعلم عن بعد) فلم يستسلم  المعلمون والتلاميذ والآباء أيضاً، إذ تكيفوا مع نظام التعليم المنزلي في زمن قياسي، وعلى الرغم من أن هذا التغيير المفاجئ مزعج ومربك للذين اعتادوا حضور الفصول الدراسية النموذجية، لكن الأمر المهم هو استمرار الفصول الدراسية وتلقي الطلبة لتعليمهم. ومن هنا نقلت وسائل الإعلام العالمية باهتمام متابعة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لإحدى الحصص التعليمية في أول يوم دوام (افتراضي) لطلبة مدارس الإمارات، وذلك مع بدء تطبيق منظومة التعلم عن بعد في مدارس الدولة وفي الجامعات، إذ قال سموه: «المدارس توقفت لكن التعليم لن يتوقف.. ونحن الدولة الأكثر استعداداً للتعلم الذكي».

أعراس وأفراح
على الرغم من إجراءات العزل الصحي المفروضة في أرجاء العالم والتي تمنع التجمعات، لم تتوقف الاحتفالات بالزواج في أغلب البلدان، حيث  تساءل العديد من الأزواج عما إذا كانوا سيتمكنون من المضي قدماً، كما هو مخطط  لأعراسهم، أو ما إذا كانوا سيضطرون إلى تأجيلها أو إلغائها، لكن في دراسة عالمية أجرتها شركة Chillisauce.com للأبحاث والدراسات، كشفت أن 76% من مجموع 1500 شخص شملتهم الدراسة، قالوا إنهم يفكرون في إقامة حفل زفاف عن بعد باستخدام منصة فيديو، مثل (سكايب). وفي لانكشاير في بريطانيا، استضاف كريس مارشال وسو بارسبي، حفل زفاف افتراضي في غرفة المعيشة، وأقام الكثير من العرسان حفل زفافهما مع أصدقائهما وعائلتهما في فيديو دردشة جماعية، كما تنوعت الطرق غير التقليدية الأخرى لإتمام مراسم الزفاف، حيث لم يتمكن العروسان البا ودانيال في إسبانيا من إقامة الحفل المخطط له، بعد نحو عام من التحضيرات لإقامته، إلا أنهما رفضا الاستسلام وأقاما حفل زفافهما من نافذة منزلهما وسط هتاف الجيران لهما، كذلك لم تعطل الجائحة العديد من برامج الزفاف في كثير من أرجاء العالم العربي، حيث أقيمت مراسم زفاف بلا حفلات ولا مدعوين، ارتدى فيها العروسان والمأذون الكمامات، أو مع حضور محدود للغاية، كما فعل الفلسطينيان عماد شرف وبراء عمارنة اللذان تزوجا في بيت لحم.

مهرجانات وندوات
على صعيد الفعاليات الجماهيرية، توقفت آلاف المهرجانات الفنية والندوات الثقافية وأغلقت المسارح والمكتبات، وأكثر من 15 معرضاً للكتاب في العالم العربي وأوروبا باتت خارج روزنامة الزمن بسبب كورونا،  لكن العالم الافتراضي فرض نفسه بقوة خلال هذه الأزمة، إذ استطاعت كثير من الجهات أن تحل محل الحضور الشخصي للأفراد لهذه النشاطات من خلال شبكة الإنترنت، فخلقت عالماً من التواصل من خلال إقامة هذه النشاطات على أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية، وتمكنت من تأسيس جمهور جديد خلال منصاتها الافتراضية، فعلى سبيل المثال، نظمت في دولة الإمارات الكثير من الجهات ندوات ثقافية ومعرفية وتثقيفية، مثل (الماراثون الثقافي) الذي نظمته وزارة الخارجية والتعاون الدولي، و(تحدي القراءة العربي)، الذي نظم ثماني ندوات ثقافية تفاعلية عبر الإنترنت تحت عنوان (فاصل ثقافي). وفي تونس نظم، ولأول مرة، مهرجان (قابس سينما فن) افتراضياً. وفي مصر نظم مهرجان (رؤى للفيلم المصري القصير).

السفر الافتراضي
لا شيء يعادل ركوب الطائرة وتغيير البقعة الجغرافية والانتقال إلى أماكن جديدة واكتشافها، لكن مع توقف حركة الطيران حول العالم، لم يعد بإمكان الكثير من الناس حول العالم خوض التجربة ولتعويض هذا الشغف بالسفر، اتجه الملايين للسياحة الافتراضية على شبكة «الإنترنت»، حيث يمكن التجول عبر شوارع جوجل، بحثاً عن صور مثيرة للاهتمام تلهم المخيلة، وتتيح الفرصة لمن يرغب في السفر وهو جالس على أريكته في بيته، إلى مناطق العالم كافة بالصوت والصورة والنص، فصار ممكناً زيارة متحف اللوفر في الإمارات وبرج إيفل في فرنسا والأهرامات في مصر، وشلالات نياجرا، وأدغال أفريقيا، والكثير من المتاحف والمزارات السياحية، حيث انتشرت مواقع عدة على شبكة «الإنترنت» تساعد على الاختيار الصحيح، وترشدك إلى الأماكن التي ينبغي زيارتها في مغامرات مدهشة.

ممارسة الرياضة
ولأن الفيروس التاجي  يثير القلق في جميع أنحاء العالم، فقد بدأ رواد الصالات الرياضية بالتفكير مرتين، بأمر مشاركة المعدات وغرف تغيير الملابس والمناشف. لكن الكثيرين من الرياضيين لم يخضعوا لهذا الواقع، حيث أتجهوا إلى ابتكار طرق ملهمة ومبدعة لممارسة الرياضة، إذ لم يستسلم العديد من الأوروبيين للحظر رغم التزامهم به، فقرروا إطلاق مبادرة (تنس في المنزل) كطريقة لكسر القيود على ممارسة اللعبة لا تتعدى على القانون، فجاء الحل من فوق أسطح المنازل، وتعاون الجيران مع بعضهم البعض في تحديد مواعيد الصعود إلى فضاء البنايات والمنازل، وانطلاق جولات التنس من سطح إلى سطح رغم أنف القيد، كما انتشر مقطع فيديو قصير تتبادل فيه سيدتان إيطاليتان لعب كرة المضرب، كما اختار الكثير حول العالم مُجابهة الحَجر الصحي، بممارسة التمارين المنزلية والتي عادة ما تكون تحت رقابة النوادي التي تُتابع لاعبيها عبر تقنية (الفِيديو)، وهذا الإجراء يهدف إلى المُحافظة على الحدّ الأدنى من الجاهزية البدنية.