لا يعني تقليل الاستهلاك أو ترشيده التضحية بحياة جيدة، لكن من المؤكد أن استخدام جميع موارد الحياة بكفاءة عالية وتعقل، للحد من إسرافها أو هدرها، يسهم كثيراً في تسهيل أيام الشدة ويمنع الوقوع في الأزمات، إضافة إلى أنها عادة حميدة لها فوائد جمة على الناس في جميع أحوالهم، لكن ما التحديات التي تواجه تطبيق ذلك؟ وكيف يمكن نشر ثقافة الترشيد والحد من الأنماط الاستهلاكية المتزايدة. «زهرة الخليج» طرقت باب مسألة ترشيد الاستهلاك وإمكانية تطبيقها وسمعت أجوبة من موظفين وخبراء ومختصين.

طوفان جذاب
يجد صابر الأنصاري (موظف) أن الطوفان الإعلاني الجذاب الذي يغمر الأسواق، من أقوى دوافع الشراء بلا خطة، موضحاً: «يقود الناس إلى اقتناء أغراض يعتقدون أنهم يحتاجونها وهم ليسوا كذلك، وفي النهاية تتكدس بلا فائدة وتضر الميزانية الأسرية، ولتحقيق صرف متوازن لا بد من إغلاق باب الانقياد الأعمى وراء الإعلانات»، بينما ترى موزة المنصوري (معلمة) أنه حان الوقت للتخلص من بعض التقاليد، التي تجعل من الإسراف عادة اجتماعية تحدد مقام الفرد في المجتمع، مثل الصرف البذخي في الأعراس والمناسبات، مضيفة: «معظم ما يتم صرفه هو لتحقيق المباهاة والتفاخر، وللأسف يذهب بعد انتهاء المناسبة إلى صناديق القمامة». فيما يشير أحمد جمال (مهندس) إلى أن التعامل المتوازن مع مصادر مثل الكهرباء والمياه داخل البيوت، يجب أن يكون قيمة تربوية ينشأ عليها أفراد العائلة وأن يكون من المسلمات السلوكية، حيث إن تعامل معظم الأسر مع هذه المسالة بإهمال  يؤدي إلى الكثير من الهدر في هذين القطاعين، وهو الأمر الذي تتفق فيه فاطمة الشحي (ربة منزل) وتضيف: «العادات النبوية الإيجابية في الاستهلاك والتعامل مع الغذاء، هي من أنجع الطرق لنبذ الإسراف والتبذير»، وتعدد الشحي الفوائد جراء ترشيد الاستهلاك، بقولها: «تجنب السمنة الزائدة وتقليل الأمراض، والتخلص من العادات السلبية، وترشيد استهلاك مواد لا نحتاجها، يمكن أن تحقق وفرة غذائية للجميع».

أهمية التوعية
يلفت الدكتور عماد الرفاعي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الشارقة، النظر إلى أن ترشيد الاستهلاك يعتبر من أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات السليمة، مستشهداً بالقول: «ذكر في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلك قَوَاماً)، فللأديان وللتربية والإعلام والتعليم والثقافة الدينية، دور كبير في ضبط سلوكيات الشباب في المدارس والجامعات الإسرافية من حيث التفاخر والاستعراض واللامبالاة، وعدم الاستجابة لمبادرات حملات التوعية والهدر، بسبب مجانية الموارد والخلط بين الكرم والإسراف، ويحتاج شباب اليوم لمزيد من التوعية في هذا المجال».

عوامل مؤثرة
عن العوامل المؤثرة على الأسرة والموجهة لها في منهج الاستهلاك، تؤكد إيمان أحمد علي، أستاذة متعاونة في  قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، أن أهم سبب يدفع الناس إلى كثرة الاستهلاك السلبي، هو غياب الوعي، تشرح بالقول: «إذ إن طريقة تعامل فئة من الناس مع المال، تنطلق من فهم خاطئ، باعتباره وسيلة للإنفاق ليس إلا، وهذا المسلك في الفهم قاصر جداً في استيعاب قيمة المال ووظيفته الحقيقية في حياة الإنسان، كما أن العامل النفسي يلعب دوره، حيث يجد عدد مهم من الناس أحياناً في كثرة الشراء والاستهلاك متنفساً لنسيان هموم الحياة اليومية وتغيير الأجواء وتفريغ الشحنات السلبية والضغوطات النفسية المتراكمة في البيت والعمل ورتابة الحياة، لذلك فهم يهربون أكثر الأوقات من أنفسهم لكي يستعيدوا وجودهم من خلال التسوق».

تحول حقيقي
يقول محمد المهري، الخبير الاقتصادي: «حان الوقت ليتحول الناس تحولاً حقيقياً من الإسراف والتبذير إلى التوفير والمحافظة على النعم والخيرات الموجودة، الأمر الذي سيسهم في تحسين كل شيء وحتى على البيئة عالمياً عن طريق المحافظة على مواردها الطبيعية والمحافظة عليها من التلوثات البشرية والصناعية، مما يجعل كوكب الأرض كوكباً صحياً ونقياً، ومن خلال تجاربنا في السنوات الماضية أدركنا أن كثيراً من الممارسات التي تقوم بها دولة الإمارات دائماً تحقق نجاحاً عالمياً». يعدد المهري فوائد ترشيد الاستهلاك الاقتصادية بالقول: «سيكون هناك تحول من الصناعات الغذائية الاستهلاكية للأسر، إلى مجالات أخرى ذات أهمية متعلقة بالصناعة والتكنولوجيا، وسيتحول المجتمع من استهلاكي إلى إنتاجي وتصبح دولتنا اكثر تقدماً وريادة، إضافة إلى تقليل المخلفات والنفايات والأوبئة والأمراض  الصحية المرتبطة بالإسراف».

متوسط  الإنفاق
ارتفع نصيب الفرد من الإنفاق الاستهلاكي الخاص في دولة الإمارات إلى نحو 63 ألف درهم خلال عام 2019، بزيادة نسبتها 14.1% مقارنة مع 55.2 ألف درهم خلال عام 2018، وبناء على هذه المعطيات الرسمية التي تضمنها تقرير الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء، فقد ارتفع معدل متوسط الإنفاق الشهري للفرد إلى 5250 درهماً مقارنة مع 4600 درهم خلال فترة المقارنة نفسها.