تركت جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» التي اجتاحت العالم آثارها على الموسم الدرامي الرمضاني هذا العام. وعلى الرغم من تمكن معظم المسلسلات التي تم الإعلان عن عرضها رمضانياً من الوصول إلى شاشات القنوات التلفزيونية، إلا أن معظمها لم يسلم من النقد جراء الأخطاء الساذجة التي وقع فيها صُناعها. كما تغيرت خريطة العرض الدرامي لبعض الأعمال، جراء توقف رحلات الطيران بين الدول وصعوبة استكمال المسلسلات، مما أدى إلى اختصار بعض الأعمال على الشاشة في سابقة تحدث لأول مرة، كما في مسلسلي «الساحر» بطولة عابد فهد وستيفاني صليبا و«النحات» بطولة باسل خياط وندى أبو فرحات، فتوقف الأول بعد 17 حلقة والثاني بعد 15 حلقة، مع وعد استكمال القصة في جزء ثانٍ سيصور حالما سنحت ظروف التصوير والتنقلات، كما أدى توقف رحلات الطيران إلى تعذر وصول الفنان اللبناني باسم مغنية إلى مصر، فتحول دوره من بطل في مسلسل «النهاية» إلى ضيف شرف. لكن المثير في حال الدراما الرمضانية هذا العام، تمتعها بأعلى نسب مشاهدة جراء الحجر الصحي المنزلي الذي رفع نسب مشاهدة معظم الأعمال.

تفوق نسائي
شهد هذا الموسم الدرامي تخبطاً لم يُشهد له مثيل من قبل، فغابت أسماء كبيرة وبرزت أسماء جديدة، واعتمدت بعض الأعمال على عناصر التشويق والمفاجأة من حيث المواضيع التي تناولتها والشخصيات التي قدمتها، لكن واحدة من أبرز سمات هذا الموسم هي التفوق النسائي في الدراما خاصة في الأعمال المصرية والخليجية، وظهر جلياً هذا التفوق عبر سيطرة الفنانات على الأدوار الرئيسية أو من خلال مناقشة الأعمال لقضايا نسائية مهمة، أما أبرز الأعمال التي حظيت ببطولات نسائية مطلقة، «فرصة ثانية» بطولة الفنانة ياسمين صبري، و«لعبة النسيان» بطولة الفنانة دينا الشربيني، و«لما كنا صغيرين» بطولة الفنانة ريهام حجاج، و«ونحب تاني ليه» بطولة الفنانة ياسمين عبد العزيز، و«خيانة عهد» بطولة الفنانة يسرا ومعها الفنانة السورية جومانا مراد التي عادت بعد غياب سبع سنوات، والأمر ذاته ينسحب على الدراما الخليجية، حيث قدمت الفنانة حياة الفهد شخصية «أم هارون» في مسلسل يحمل الاسم نفسه أثار الكثير من الجدل، وكذلك الفنانة سعاد عبدالله في «جنة هلي»، ومسلسل «مانيكان» بطولة الفنانة هيا عبد السلام، ومسلسل «شغف» بطولة هدى حسين.

الأفضل والأسوأ
منذ الأيام الأولى، بدأ النقاد والمشاهدون في تقييم الأعمال وتحديد مستواها، ما بين الممتاز والجيد مروراً بالدرجات الوسطى، وصولاً إلى الأعمال الأسوأ في هذا الموسم، وشارك في تقييم هذه الأعمال (الترند)، حيث احتلت عدداً من الأعمال قائمة الأكثر متابعة ومداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هذه الأعمال مسلسل «الاختيار» من بطولة الفنان أمير كرارة، الذي استطاع صناعه مداعبة مشاعر وأحاسيس الجمهور المصري والعربي، من خلال سرد سيرة شهيد الجيش المصري أحمد المنسي، وأيضاً مسلسل «البرنس» من بطولة محمد رمضان، وهو ميلودراما شعبية تدور عن خلاف الإخوة على الميراث، ولكن المؤلف والمخرج محمد سامي استطاع إبهار المشاهد من خلال توزيع الأدوار ومساحة كل ممثل ولم تقتصر البطولة على رمضان نفسه، ومسلسل «أولاد آدم» وهو من أعمال الدراما العربية المشتركة من بطولة ماغي بوغصن ودانيلا رحمة ومكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب، ويسلط الضوء على الفوارق الطبقية بين الطبقة السياسية وعامة الشعب في لبنان،  ومسلسل «النهاية» من بطولة يوسف الشريف كون العمل يقدم رؤية مستقبلية للعالم بعد مئة عام من الآن، ومسلسل «ببساطة 2» من بطولة باسم ياخور وديما بياعة، وهو المسلسل الذي عاد في جزئه الثاني أكثر قوة وتماسكاً، واعتمد على لوحات حقيقية قريبة من الناس وبعيدة عن تداعيات الأزمة السورية والحرب الطويلة التي عاشتها، ومسلسل «الفتوة» من بطولة ياسر جلال الذي يعود بنا لتاريخ القرن التاسع عشر وما تحمله تلك الحقبة من عبق التاريخ وحكايات الشجاعة، ومسلسل «خيانة عهد» من بطولة يسرا وحكايته البوليسية المشوقة، ومسلسل «سوق الحرير» الذي يعود فيه الأخوان بسام ومؤمن الملا لخمسينات القرن الماضي بقصة جميلة وإن لم تخلُ كعادتهما من المصادفات العجيبة والغريبة من بطولة بسام كوسا وسلوم حداد، ومسلسل «الساحر» الذي يقدم من خلاله عابد فهد شخصية جديدة مستوحاة من علماء الفلك، بينما احتلت مسلسلات مثل «سكر زيادة» لنادية الجندي ونبيلة عبيد و«فرصة ثانية» لياسمين صبري و«رجالة البيت» لأحمد فهمي وأكرم حسني و«فالنتينو» لعادل إمام، مستويات متراجعة من المتابعة، واعتبرها البعض من أسوأ أعمال الموسم.

بـ100 وش
لفت مسلسل «بـ100 وش» الأنظار إليه جماهيرياً وهو العمل الذي وصف بأنه العمل الكوميدي الأفضل لهذا العام، لعدة أسباب من أهمها ظهور الفنانة المصرية نيللي كريم في دور كوميدي، وهو ما يعد تغييراً في صورتها كممثلة اعتاد الجمهور على متابعة مسلسلاتها التي تسيطر قصصة الحزن والكآبة والمعاناة على أحداثها، كما يعد ظهور الفنان آسر ياسين استثنائياً في مسلسل شبابي بروح خفيفة، وهو الذي عود الجمهور على أدواره الأكاديمية أكثر، فضلا عن تميز العديد من الفنانين الشباب في الشخصيات التي قدموها ضمن أحداث العمل. أما المثير في قصة المسلسل، أن عمليات النصب والاحتيال التي يعرضها المسلسل،  تستند إلى قصص جنائية حقيقية سجلت في مصر، يصوغ مؤلفا العمل بعض حيثياتها بقالب كوميدي، وبروح خفيفة الظل.

أدوار ثانية
برز عدد من النجوم في الأدوار الثانية، ليقفزوا إلى الواجهة، وكأنهم أبطال العمل، وفي مقدمتهم الفنان أحمد زاهر والفنانة روجينا في مسلسل «البرنس»، حيث تداول الجمهور مقاطعهم بكثرة، لا سيما المشهد الذي يقوم فيه أحمد زاهر بتحريك أذنيه، وفي مسلسل «النحات» برزت الفنانة الشابة ليا بو شعيا، بينما حققت الفنانة أيتن عامر حضوراً بارزاً في مسلسل «فرصة ثانية»، كما برزت الفنانة إنجي المقدم في مسلسل «لعبة النسيان»، كما لفت الفنان محمد حداقي الأنظار إليه من خلال أدائه العالي في مسلسل «الساحر»، كما لفت الانتباه كالعادة مسلسل «مخرج 7» للفنان الكوميدي ناصر القصبي.

بين الاختيار  والفتوة والفرصة الثانية
في مراجعة على معظم الأعمال الدرامية الرمضانية، وجدت الناقدة الفنية الإماراتية مريم الكعبي تكراراً في الأفكار في مجمل الأعمال، موضحة: «لا جديد في الدراما الخليجية لهذا العام، فلا يزال بالنسبة لي التحدي هو في إكمال متابعة حلقة من مسلسل خليجي، هناك تكرار في الأفكار ونمطية في الأداء ومبالغة في الماكياج وعدم واقعية في الأحداث وإيقاع بطيء جداً وجمود في المشهد، الشيء الوحيد هذا العام هو الضجة المثارة على مسلسل «أم هارون»، ومن دون الدخول في تفاصيل العمل وظروفه، لكنني أتساءل عن سر رضا وإقبال الجمهور على أعمال إشكالية عالمية تعرض على منصة (نتفليكس) ونرضى بها ولا نرضى عن أعمالنا المحلية؟ وللأسف بالرغم من الحاجة الماسة إلى أعمال تلامس الواقع وتدق ناقوس الخطر وتنبه المشاهد وتطرح قضايا تهمه، ما زالت الدراما الخليجية متأخرة وهي مجرد وجبة على مائدة رمضان يتم تقديمها بأي مكونات لمجرد العرض».
وحول تقييمها للدراما المصرية، تقول الكعبي: «لفتني مسلسل (الاختيار) الذي يتناول سيرة الشهيد البطل أحمد منسي والإرهابي هشام عشماوي، من خلال خيوط درامية تطرح أن العقيدة والأدلجة الفكرية ترسم طريق وسلوك الإرهابيين، كما هي العقيدة الوطنية تصنع بطولة وطنية، وأحب أن أناقش أهمية هذا العمل من ناحية صناعة الصورة الذهنية، فهي أهم وأخطر ما يحدث، وأرى أن تقديم ملحمة بطولية درامية في هذا التوقيت وبأحداث واقعية وبطل حقيقي، هو بناء وعي حقيقي افتقدناه في الدراما، فهذه الصور الواقعية من شأنها رفع روح الانتماء والتماهي مع نماذج وطنية في شجاعتها وولائها وانتمائها، إضافة إلى تسليط الضوء على واقع عالمه بعيد جداً عن المشاهد، عن الجماعات الإرهابية وكيفية تجنيد الإرهابيين وقناعاتهم التي تحدد اختياراتهم». وتضيف: «أريد أن أشيد بقدرات الفنان ياسر جلال بطل مسلسل (الفتوة) الذي يستطيع إكمال مشوار عباقرة الدراما المصرية، وفي الوقت ذاته أقول إن مسلسل (فرصة ثانية) كشف كيف يمكن لواسطة الفن أن تصنع بطلة وتنهيها في الوقت ذاته، فياسمين صبري قدمت أداءً مصطنعاً ضمن أحداث تثير السخرية، وهي بذلك أنهت مسيرتها الفنية قبل أن تبدأ».