وضعت الخطاطة والكاتبة الإماراتية مريم البلوشي موهبتها المبكرة في الخط العربي جانباً لتتفرع لتحصيلها الجامعي العالي، فتخصصت في الهندسة الكيميائية، ونالت شهادة الماجستر في علوم البيئة وتبوأت مركزاً إدارياً مرموقاً في قطاع الطيران. إلا أن شغفها في جماليات الخط العربي تحرّك في داخلها، وحثها صوت داخلي غامض على تعلم تقنياته والغوص في عوالمه مدفوعة بموهبة استثنائية. مريم، متعددة المواهب والإبداعات الإماراتية، تحدثنا عن شراكتها الثمينة مع دار المجوهرات الفرنسية العريقة   Van Cleef & Arpels وتقديمهما لوحات بالخط العربي تسلط كل واحدة منها الضوء على القيم الإيجابية والعطاء والإلهام وتترجم أسس الشهر المبارك الروحية وعيد الفطر السعيد.

كيف بدأت ملامح موهبتك في الخط العربي في الظهور؟
بدأ الأمر منذ كنت في الثالثة من العمر، أحد أبناء عمي أعطاني كراسة الخط، الذي يدرسونه في المدرسة. كنت من الأطفال المشاغبين قليلاً، فقال لي خذي الكراسة، وكنت لا أعرف الألف باء، فرأيت الأشكال في خطي الرقعة والنسخ وأحببتها جداً، وكنت لا أعرف ماهية الأشياء التي أقلدها وأنسخها. إلى أن دخلت المدرسة وتعلمت اللغة العربية وبدأنا ندرس أنواع الخطوط. لم تغب فكرة الخط العربي ولطالما راودني السؤال التالي: هل يمكن أن يكون خطي جميلاً ذات يوم؟ وبالفعل كنت أسعى لذلك، إلى أن قررت في المرحلة الثانوية أن أدرس الخط العربي كتخصص. وبدأت أتدرب في كل صيف، بدءاً من النسخ إلى الرقعة ثم الديواني. وبعد التحاقي بالجامعة لم أتوقع أن أمتهن الموضوع، ولم أكن أعرف أن ثمة معهداً في الشارقة أطلق عام 2003، فالتحقت به ودرست الخط، ولكن دخولي في عالم الوظيفة بعد أن تخصصت في الهندسة الكيميائية ودراسة الماجستير في علوم البيئة أوصلاني لقرار ترك موهبتي هذه نهائياً، حتى إنني لم أمسك قلم الخط لمدة 6 سنوات. وكنت أحاول إقناع نفسي بأن وظيفتي ودراستي أهم. كنت منشغلة، ولكن ثمة صوتاً في داخلي كان ينبهني بأنني أهملت أمراً غالياً جداً، فصرت ألوم نفسي على أنني أهملت موهبتي مما جعلني أشعر بالحزن.. وعندما أنهيت دراسة الماجستر اتصلت بأستاذي "محمد النوري" وقلت له أود معاودة ممارسة الخط العربي، فهو الذي لم يفقد الأمل طوال 6 سنوات ورافقني تلك الفترة لأنه كان يرى أني متميزة، ولطالما حاول ثنيي عن قرار ترك الخط العربي ومعاودة نشاطي فيه ونجح في ذلك في عام 2009 حين قررت العودة.

أي الخطوط العربية الأقرب إلى نفسك وبالتالي تبدعين فيها أكثر؟
أعمل في خط الجلي ديواني، الجميل فيه أنه يتيح التصميم بحرية أكبر، ونظراً لمرونته وطواعيته قد تخرجين فيه عن المألوف، ولكن القاعدة وقوة الحرف موجودتان. فالخط العربي هويتنا ولا نستطيع التلاعب بها، بل نبتكر مقاييس جديدة تضيف جماليات ولا تنتقص من روعة الحرف العربي.

ما القيم التي ترجمتها في وردة القيم التي ابتكرتها مع Van Cleef & Arpels؟
بداية التعاون مع دار فان كليف أند آربلز كانت عام 2019 في جلسة حوارية تحدثت فيها عن التشابه بين فن المجوهرات وفن الخط العربي. وأتت بعد رحلة إعداد مع ممثلين من مقرهم الرئيسي في باريس، ومن ثم عملت على التحضير لها مع إحدى المؤرخات في تاريخ المجوهرات. درست  واطلعت خلالها على ثقافة الخط العربي وتاريخه. وفي الوقت نفسه بدأنا حواراً مفتوحاً حولها. وعندما وضعنا أول مجموعة لوحات لكي تكون موجودة خلال الحوار بدأت الباحثة في التاريخ "أنزيتا" بإجراء بحث عن المجوهرات على مر العصور التي تشابه أعمالي، فكانت تأتي بقطعة مجوهرات عمرها 500 أو 800 سنة وتقول كأن هذه القطعة لوحة لمريم اليوم، وتضيف هل هو انتقال بالأفكار والخواطر بين الفنانين على مر العصور؟ كان الحوار مخيفاً ولكنه يبين لك أن هناك صلة بين العقول، مع أن الفنانين الذين عرضت أعمالهم لم أسمع بهم يوماً.. ولكنها أوصلت لنا فكرة أن فن الخط العربي يتشابه كثيراً في خصوصيته وخطوطه وتفاصيله وتصاميمه وألوانه مع تصميم المجوهرات. فالمرحلة التي تمر بها اللوحة لتكتمل فيها الكثير من الإعداد والتصميم والإنهاء والصبر والتركيز والتفصيل والممارسة والتدريب وهذه العناصر موجودة سواء في فن الخط العربي أو فن المجوهرات. ومؤخراً، طرح عليّ فريق فان كليف تقديم فكرة جديدة في بطاقات المعايدة لدار فان كليف بعيدة عن النمطية وخارجة عن إطار الهلال والنجم وبدأنا التفكير في قصة نقدمها، واقترحت عليها بلورة القيم التي تعنينا نحن كمجتمع في رمضان، فرمضان ليس عبارة عن صيام عن الطعام والشراب، ولكنه يتضمن قيماً موجودة ونمارسها على مدى السنة كلها، ولكنها تتركز أكثر خلال الشهر الفضيل. واستمر الحوار طوال اربعة أشهر، والتعرف إلى قصص وقيم فان كليف ومجوهراتها، كل قطعة من أين انطلقت وما القصة التي وراءها؟ كانت مرحلة قراءة وبحث  ونقاش معهم ليفهموا أكثر مجتمعاتنا وقيمها والأمر نفسه بالنسبة لي، أي الاطلاع على قيم دار مجوهراتهم. وفي المحصلة أجرينا عملية غربلة للقواسم المشتركة بيننا كمجتمع وشهر رمضان وبينهم، لخصت بـ 12 قيمة.

هل لك أن تعددي لنا هذه القيم؟
القيم الـ 12 هي: العائلة، الاهتمام، الإيجابية، النور، الحب، السعادة، الطيبة، العطاء، الاتزان والتناغم، ومعاً مجتمع واحد. هذه قيم نعيشها بشكل يومي في مجتمعنا وفي الوقت نفسه هي قيم موجودة في تصاميم فان كليف.

ماذا عن اختيار الوردة؟
اختيار الوردة لم يكن عشوائياً، فعندما بدأت أقرأ قصصهم وجدت أن هذه الوردة موجودة في كتبهم بمعانٍ مختلفة. وما جذبني إليها شكل القلب منبع المشاعر والقيم كلها.

في رأيك كم نحن أحوج إلى هذه القيم والمعاني في ظل وباء كورونا الحالي، وكيف تسهم هذه القيم بتكافل وتضامن المجتمع؟ وكيف تُرجمت وتبلورت هذه القيم حالياً؟
عندما بدأنا العمل كان التركيز على رمضان وقيمه، ولكن خلال تنفيذ العمل ظهرت الجائحة في الصين، وهذه القيم نعيشها حالياً والكل ينادي بأن نكون متفائلين وإيجابيين أكثر وأن النور سيسطع بعد الأزمةـ والعالم كله بمختلف الثقافات والديانات والقارات أصبح متواصلاً كعائلة كبيرة. وفي العوائل الصغيرة البيوت بدأت بالترابط مرة ثانية، يعني القيم العائلية بدأت تعود أينما كانت، حتى عندما أتكلم عن زملائي الاجانب فتجدينهم مع عوائلهم، وثمة كثيرون يقولون إنهم كانوا يفتقدون تلك الأوقات والعودة للحياة مع بعضهم والتعرف إلى بعضهم أكثر. هناك نوع من الاهتمام والخوف والعطاء على مستوى العالم أجمع. والطيبة موجودة، إذ نريد أن يشفى الناس في كل أنحاء العالم، فهذا نوع من التناغم والاتزان طبعاً موجود وإلخ... فهذه القيم مرتبطة بشيء أكبر الآن أكثر مما كنا نتخيله عندما بدأنا العمل.

كيف تجدين أصداء هذا العمل؟
هو شيء جديد لـ Van Cleef & Arpels والجميل أنهم فكروا في أن يكون الخط العربي هوية لهم في هذا الشهر وهذه سابقة أولى. في عالم المجوهرات ثمة العديد من الخطوط والمجوهرات التي يدخل بها الخط العربي، ولكنهم أرادوا شيئاً فريداً لمنطقتنا، فكانت فكرتي الخاصة بأن يكون عملياً فلسفياً ذا نظرة ثقافية يعبر عن هوية المنطقة بالترابط مع هويتهم في شهر رمضان المبارك. وأشكرهم على مبادرتهم هذه والعمل معي من أجل إخراج هذا العمل، وتبني  ثقافتنا وفننا والاختلاط بمجتمعنا. وكان الابتكار في الخط العربي بتبني فكرة وردة فان كليف. كما أن ربط الكلمات وترتيبها استغرق وقتاً طويلاً، واسكتشات كثيرة ومراحل عديدة وترابطات الكلمات تنمّ عن دراسة ونقاش طويل بيننا.

على أي أساس اخترتم اللون الأخضر؟
لون البراند لون خاص جداً بهم، واخترت اللون الأخضر لأنه لون التسامح والانشراح والسلام. ونحن شعوب محبة ومسالمة. ويرمز للازدهار والطبيعة الجميلة.

كم تسهمين من خلال هذا العمل بإيصال الخط العربي إلى الغرب بأحلى صورة وكيف تصفين وقعه؟
أحرص عند القيام بأي عمل فني أو خطي على أن يتضمن قصة وليس مجرد خط وفقط. وهذا ما هو مشترك بيني وبين دار فان كليف، أردت إيصال قصة مميزة خلف هذا العمل. فنحن كفنانين نحتاج للعمل على اللوحة ليس كحروف وشكل بل كقصة، لأن من يأتي ويحدثك لا يقول لك كيف كتب حرف الألف بل تهمه القصة والمعاني المكتوبة التي تقدمها للناس. فلديّ قصة من قبل كان اسمها التعايش مع بعض، فعندما تخاطب المجتمع العالمي بشخصيتك فأنت تبرز من خلال ما تقدمه. والأمر الثاني هل أنت فعلاً شخص مثقف وقادر على أن تتكلم عن هوية وثقافة مجتمع، فهو ما يجب أن تعمل عليه وكيف تنشر هذه الرسالة. التزاوج بين الفكر والثقافة سيظل في تاريخهم ويعكس روح وجوهر الدار.