حقق العمل الدرامي "أولاد آدم" ضمن ماراثون رمضان، نسبة مشاهدة عالية وجمهوراً خاصاً ملأ السوشال ميديا بتعليقاته، وخاصة على أدوار الرباعي النجوم: ماغي بو غصن، مكسيم خليل، دانييلا رحمة‎، قيس الشيخ نجيب.

انتهى المسلسل بعرس مايا وسعد، على سطح بيت سركيس، وحضره من بقي مؤمناً بالحب ويتوق إلى العدالة، وجاءت رسالة العمل لابد من أفراح صغيرة، لابد أن نعود بشراً وأن تتوج العلاقات بالمحبة والزواج والأسر المعافاة.

"أولاد آدم"، عمل استطاع  فيه كل من كاتب السيناريو السوري رامي كوسا، والمخرج الليث حجو أن  يصنعا خلطةً سحريةً معاً ويتوجا رؤيتيهما من خلال أداء الممثلين واختيار المواقع والبيوت والطبيعة والشارع والمدينة أيضاً، وأن يصلا إلى مقولة "نحن أبناء آدم"، الظروف وما نعيشه من انحلال في القيم، بل ما نشهده من مؤسسات ما هو سوى فوضى وشريعة غاب، وانهيار السلطة الرابعة (الإعلام)، وقد استطاع العمل أن يطرق الدراما الاجتماعية على أبواب فضائح وصراع شخصيات من المجتمع باختلاف بيئاتهم وخلفياتهم  فتحت  على مصراعيها لتكشف عن علاقات متداخلة من أعلى المؤسسات وحتى ابن الشارع، فالكل في العمل مرضى المال والسلطة ومرضى البطالة، مرضى غياب الأسرة، وبالتالي وصول البعض إلى لحظة عدمية يبرر من خلالها أي عمل لا أخلاقي، لاسيما الجريمة "ما صفي شيء نخسره".

ويعد "أولاد آدم" من الأعمال العربية المشتركة، سوري النص والإخراج ولبناني الإنتاج، تصدر فيه الممثلان السوريان مكسيم خليل وقيس الشيخ نجيب محور البطولة، التي تقاسماها مع ممثلين لبنانيين برعوا في أداء أدوارهم، وشكلوا معاً مشهداً روائياً ودوائر متشابهة في الظروف، دائرة السجن ودائرة المسؤولين والمناصب والتهريب، ودائرة القضاء وتلوثه من خلال تجسيد القاضية والوزيرة لاحقاً، ماغي بو غصن (ديما علم الدين)، لوضع الإنسان النزيه الباحث عن العدالة، وكانت بين كماشتي زوجها الانتهازي المريض، والمسؤولين المهربين للمخدرات والمال وعشق المناصب، الذين يشكلون دوائر متداخلة تنعكس على المجتمع والناس وتقتل أحلام الشباب.

أداء الممثلين:

تمحور "أولاد آدم" حول سؤال: هل ثمة جدوى لشيء هل ثمة أمل وكل صور الخير تقتل تباعاً؟.


ثنائيات وعلاقات، قيس الشيخ نجيب (سعد) ودانييلا رحمة (مايا) وماغي بو غصن (القاضية ديما) ومكسيم خليل (غسان) إلى جانب أسماء برعت في دائرة السجن ومنها رانيا عيسى وندى أبو فرحات وطلال الجردي ورودني حداد، الذي جسد شخصية (الضابط نبيل عبيد) آمر سجن النساء، الذي برع في أدائه التمثيلي وشخصيته الحالمة والمتطلعة إلى العدالة، العاشق لديما والأب الحنون، ربما ليجعلنا نقول "الدنيا بخير".

على طرف آخر أبدع طلال الجردي بدور (بسام)، الشرطي في سجن النساء المركزي والمشارك لسعد (قيس الشيخ نجيب) في سرقة وبيع التليفونات، في رسم الشخصية والضحكة والحركة واللغة أيضاً، والتأكيد على أن كل ممثل هو بطل في هذا العمل أمثال: أنس طيارة،  كارول عبود، مجدي مشموشي، فيفيان أنطونيوس، وغيرهم.

 

كنا أمام رواية، مسرحها بيروت وتداعيات السياسة والأوضاع الاقتصادية على الأسرة والمجتمع، التشابه في اللصوصية ونمط تفكير العصابات وتهريب الأموال والتفجير المحكوم باللا شيء وبكلمة "لا يزال التحقيق مستمراً"، وعبث المصائر وتأزم الجميع وكأننا في عنبر تشيخوف، الكل يعاني من القاضي وحتى سائق التاكسي سركيس، الذي منح العمل روح المكان، مذكراً بأثر الحروب والطائفية على قتل الأحلام.

في "أولاد آدم" الجميع بشر على أرض الخراب وأمام مشهديات إنسانية، أمام دوائر الكل يحاول فيها إغراق الآخر، الجميع يتقاسم وجع الحكاية، التي قدمت برؤية إخراجية مدهشة كل الكوادر مدروسة وكل البيوت وهو ما أوصل الممثلين إلى أداء منسجم مع طبيعة الشخصية النفسية والاجتماعية.

استوقفتنا في هذا العمل وجوه كثيرة، لاسيما دانييلا رحمة (مايا) التي أدت بشكلٍ مدهشٍ، هذا الدور الشعبي من راقصة إلى نشالة وعاشقة، وماغي بو غصن بأدائها الهادئ الممسوك والمستفز أحياناً وتحولاتها اللاحقة التي جعلتها أكثر قوةً وتمسكاً بالحب، رغم تجاوزها لمسائل القانون التي كانت متمسكةً بها.

"أولاد آدم"، عمل مشترك لم يتغرب عن هوية وخصوصية المكان، شكل خطوةً مهمة ًنحو قراءة الواقع السوري اللبناني وقد قدم بتوقيع إنساني، كل شيء كان مرسوماً بتقنية الظل والضوء وكوادر العين والمرايا والأقواس، بلغةٍ بصريةٍ مدهشةٍ حتى الوصول إلى المشهد الأخير. 

أما بطل العمل (غسان) مكسيم خليل الذي بث رسالته الأخيرة عبر السوشال ميديا، وقبل لحظة انتحاره في مشهد لامس فيه المسرح والسينما العالمية، لاسيما مشهد المشنقة في فيلم "الأخوة الأعداء"، فقد

أدهش واستفز الجمهور وقارب شخصية "الجوكر"، إنه الإنسان المخرب المريض بالمطلق والذكي، استطاع أن يؤدي بشكلٍ مدهشٍ وأن يمثل الحب مع عشيقاته أن يصور هذه العلاقات، أن يدافع عن القصر ويستغل ذلك لاحقاً، أن يلعب على بيته ويكشف أسراره ويضرب خيط العدالة، أن يجسد الخراب، لا يريد حتى لأبسط الناس أن يعيشوا بأمان.

لا ننسى موسيقى إياد الريماوي التي شكلت عنصراً جمالياً مهماً مكملاً للحظات الصمت والصراع.

على طرف آخر، أدهش قيس الشيخ نجيب (سعد) في أدائه لشخصية النشال الجمهور، إذ لامس هذا اللقيط لحظات الحب والحنان في حبه لمايا وللمرأة التي ربته حين كان طفلاً متسولاً، واستطاع أن يحفر هذه الشخصية في الخيال من خلال أدائه ولغة الجسد.

انتهى العمل بعرس وأغنية وسطح بسيط مفتوح على السماء وأضواء المدينة وكأنه تأكيد على أن هذا هو ما تريده بيروت والشام أن تعود الأفراح والأسرة والمجتمع وأن يعيش الجميع بأمان.