قال الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في الأزهر، إن الدعوة إلى وحدة التوجه إلى الله بالصلاة والدعاء اليوم الخميس برفع وباء كورونا عن الإنسانية كلها، أياً كانت الديانة التي يتبعها الفرد، تسمو بالإنسانية عن اختلافاتها لتلتف حول تحقيق هدف مشترك، يجمع بينهم ولا يفرق، مؤكداً أن هذه الدعوة لاقت ترحيباً دولياً واسعاً من جانب عدد كبير من القيادات والمؤسسات الدينية والسياسية والشعبية حول العالم.
وقال الضويني لـ«زهرة الخليج» إن الدعاء وصية ربانية ونبوية تعني التذلل لله سبحانه، والافتقار والاستكانة إليه، مؤكداً أن الصلاة والدعاء يكونان من أجل ما يتقرب به العبد إلى الله لرفع الكرب والبلاء.
وذكر الضويني أن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا نزلت به نازلة يفزع إلى الصلاة، فبها يُستعان على أمور الدنيا والآخرة، فعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (خَسَفتِ الشَّمسُ في حياةِ رسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المسجِدِ، فقامَ وكَبَّر، وصفَّ الناسُ وراءَه... وانجلتِ الشَّمسُ قبلَ أن يَنصرِفَ، ثم قام فخَطَب النَّاسَ، فأَثْنَى على اللهِ بما هو أهلُه، ثم قال: إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ، لا يُخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه؛ فإذا رأيتُموها فافْزَعُوا للصَّلاةِ) رواه البخاري ومسلم.
وأضاف الضويني: «كان من هَديه وسُنَّته، صلى الله عليه وسلم، القنوت في الصلاة، عند النوازل العارضة التي تحلُّ بعموم المسلمين، وذلك كانتشار الأوبئة والأمراض، وحدوث المجاعات».
وبين الضويني أنه لما نال الألمُ من أيوب، عليه السلام، وزادَ البلاءُ عليه في مالِهِ وولدِهِ وجسدِهِ، واستمرَّ به البلاءُ سنين، لجأ إلى الله واتجه إلى مولاه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين) سورة الأنبياء الآيتان 83- 84.
جواز الصلاة
وحول حكم جواز الصلاة في هذا اليوم، قال الضويني: «نعم تجوز الدعوة للصلاة من أجل رفع البلاء والكرب عن العباد، وهي تتخرج شرعاً على صلاة قضاء الحاجة، وهي مستحبة باتفاق الفقهاء، وتصلّى صلاة الحاجة بأداء ركعتين، ثم التوجّه إلى الله -تعالى- والثناء عليه، والصلاة على النبي، صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يسأل العبد حاجته من الله عز وجل».
وشرح الضويني كيفية الصلاة، قائلاً: «أخرج الترمذي عند عبد الله بن أبي أوفى، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: (من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ وليُحسن الوضوء، وليصلّ ركعتين، ثم ليُثنِ على الله، وليُصلِّ على النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك مُوجِبات رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا همَّاً إلا فرَّجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين)».
توقيت الصلاة
وفيما يتعلق بتوقيت الصلاة أوضح الضويني: «تصلى في أي وقت ولا مانع من صلاتها ليلاً بعد الانتهاء من صلاة القيام، ويجوز أن يصليها المسلم جماعة مع آل بيته أو منفرداً، ثم يدعو الله بعدها لرفع الكرب والبلاء عن الإنسانية كلها، فللمسلم أن يلجأ إلى الله ويتضَرع لرفع البلاء والوباء (كَوَبَاء كورونا)، وأن ينجِّي النّاس منه ومن كل بلاء وشر؛ فلا ملجأ لنا إلا هو سبحانه، ولا كاشف للضر إلا هو جلَّ شأنه». وعن الدعاء المستحب قال الضويني: «للمصلي أن يدعو الله بقوله: (اللَّهمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسنةً وفي الآخرةِ حَسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ. لا إلهَ إلَّا اللهُ الحَليمُ الكريمُ، سُبحانَ اللهِ ربِّ العَرشِ العظيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، اللهم إني أسألُكَ موجِباتِ رَحمتِك، وعزائمَ مَغفرتِكَ، والغَنيمةَ مِن كلِّ بِرٍّ والسَّلامةَ مِن كلِّ إثمٍ، اللهم لا تدَعْ لِي ذَنباً إلَّا غفرتَه ولا هماً إلَّا فَرجتَه، ولا حاجةً هيَ لكَ رضا إلَّا قضيتَها يا أَرحمَ الرَّاحِمينَ)».
قيم التسامح
وقال الدكتور محمد الضويني إن الصلاة في حد ذاتها لجوء للخالق، جل وعلا، ودخول الإنسان في الصلاة وإحاطته بالسكينة وشموله بالعفو والمغفرة، يعزز عنده قيمة التسامح، فيبدو متسامحاً مع غيره، ولمَ لا وهو قد عاش لحظة صفاء ونقاء مع خالقه، فأصبح أكثر إقبالاً على الله، فتمتلئ نفسه بشاشة وسماحة، ولذا فإن التسامح في الإسلام يشكل ثقافة متكاملة لها قيمها ومظاهرها ومجالاتها، كما أن له أسساً منهجية عليها ينبني ومن خلالها يتجذّر، فالإسلام يعتبر البشر جميعاً إخوةً، فيسد الباب أمام الحروب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإنساني بسبب الاختلاف العرقي.
وأضاف: إن الآخر في رؤية الإسلام ليس عدواً ولا خصماً بل هو على حد عبارة الإمام عليّ رضي الله عنه: (أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلْقِ)، فالآخر هو كما تقول العرب الأخُ بزيادة راء الرحمة والرأفة والرفق، إنه الأخ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية.
مبادرات الإمارات
وحول المبادرات الرائدة لدولة الإمارات، قال الأمين العام لهيئة كبار العلماء إن دولة الإمارات بلدُ زايد ومعدنُ المجد دولة رائدة في مجال إعلاء قيم وحقوق الإنسانية، ونبذ كل أسباب الفرقة والخلاف، ولذا فهي دائماً في سلام، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ودائماً ما تقدم المبادرات القوية على مختلف الأصعدة وفي المحافل الدولية والإقليمية بجسارة وكفاءة. 
وأضاف: «الإمارات أنشأت منتدى تعزيز السلم والذي عمل على تقديم الصورة الصحيحة للإسلام والرؤية السليمة للسلم، من خلال معالجة ثقافية شاملة، وتجديد فكري كامل، مرتكز على محورية قيم السلم والتسامح».
ونوه الضويني بأن الإمارات كانت حاضنة لوثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، والتي تم توقيعها على ترابها الطاهر من قبل فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، كما تدعم الدولة أمر تفعيل تلك الوثيقة، وتحويلها إلى واقع يجمع بين الإنسانية كلها باختلاف دولها وأعراقها لتلتف حول هدف واحد ومصير مشترك يحقق السعادة للجميع، فالآمال مشتركة، وكذلك الآلام وهو ما يستدعي أن تتكاتف جهود الجميع إلى تخفيفها والتخلص منها.