لم يكن مؤسسو كلية بغداد التي فتحت أبوابها أوائل ثلاثينات القرن الماضي على أيدي أربعة رهبان يسوعيين بطلب من بطريرك الطائفة الكلدانية، كبرى الطوائف المسيحية في العراق، يتخيلون أن طالبهم النجيب  آرا درزي (البروفيسور الجراح لاحقاً)، سيصل في عمر الرابعة والأربعين لمنصب وزير في الحكومة البريطانية حاملاً حقيبة الصحة عام 2007.  
درزي المولود في بغداد لأسرة من أصول أرمنية هاجرت هرباً من مذبحة الأرمن عام 1915 التي ما زال الجدل يدور حولها في تركيا، رحل بعد إنهائه المرحلة الثانوية مع أسرته إلى إيرلندا وأقام في دبلن، المدينة التي تخلو من جالية أرمنية، ودرس الطب وأصبح رائداً لنوع من العمليات الجراحية الجديدة، حتى حصل في سن صغيرة على لقب (سير) وهو أحد أرفع الأوسمة التي تمنحها المملكة المتحدة لعلمائها ونابغيها.
ويتوزع خريجو تلك المدرسة، التي اشتهرت بتقاليدها الصارمة وبخريجيها المتفوقين، على أربعة أطراف الدنيا، حالهم حال الملايين من أبناء الشعب العراقي في العقدين الأخيرين، وبالذات بعد الهجرات الجماعية بسبب تردي الأوضاع الأمنية في السنتين الأخيرتين. لكن خريجي كلية بغداد اعتادوا أن ينظموا لقاءات دورية لهم في عدد من عواصم العالم، طالما أن اللقاء متعذر في العاصمة التي تحمل مدرستهم اسمها.

جراحة نظرية
 يُعد البروفيسور آرا درزي أحد أفضل الجراحين في العالم، فهو أحد رواد الجراحة النظرية على المستوى العالمي، وذلك للابتكارات الطبية التي قام بها طوال مسيرته العلمية، وشهرته العالمية جاءت لإبداعه في مجال تقنيات الجراحة المتطورة وإجراء العمليات بطريقة الإنسان الآلي، كما أسهم في تطوير طرق جديدة للتدريب في مجال الجراحة عن طريق استخدام أسلوب الحقيقة الافتراضية الذي أتاح للجراحين تطوير مهاراتهم وخبراتهم العملية.
قام درزي أثناء توليه منصب وزير الصحة في المملكة المتحدة، بتغيير جذري للنظام الصحي، لكنه تنحى عن المنصب بعدما تم تعيينه سفيراً عالمياً للمملكة المتحدة في شؤون الصحة.

جائزة إماراتية
عمل درزي في العديد من المؤسسات الطبية والعلمية منها: رئاسة معهد الابتكار للصحة العالمية في لندن، ورئيس قسم الجراحة في كلية لندن الإمبراطورية، وكلية الثالوث (دبلن)، ومعهد أبحاث السرطان في لندن، ومستشفى مارسدن الملكي، وغيرها من المؤسسات، وقام بنشر أكثر من 800 بحث علمي محكم في مختلف المجلات العلمية حول العالم. وحصل درزي على «جائزة حمدان للبحوث الطبية المتميزة» عن فئة تقنية الجراحة التنظيرية، في الدورة الثالثة للجائزة التي أقيمت في دولة الإمارات عام 2004. ويعتبر البروفيسور درزي عالماً مجدداً، كرس جهوده للارتقاء بالمهارات السريرية والإجراءات بأدنى تدخل جراحي، واشتهر في كل أنحاء العالم، ونال احترام وإعجاب الجيل الجديد من الجراحين الذين أصبح بالنسبة لهم أستاذ الجراحين في استخدام التقنيات الحديثة.

مستشار إليزابيث الثانية
إلى جانب مهامه ووظائفه الصحية، اختارت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا البروفيسور درزي في عام 2009، لأن يكون مستشاراً شخصياً لها، وهو منصب يعد من أعلى مراتب الشرف في بريطانيا، ولا يزال به حتى الآن.