فرضت جائحة كورونا المستجد «كوفيد 19» على العديد من الجهات الحكومية والخاصة حول العالم العمل عن بُعد للحد من تفشي الفيروس.
غير أن العديد من الدراسات توقعت أن يصبح أسلوب العمل عن بُعد جزءاً أساسياً من ممارسة الأعمال بعد انتهاء الوباء، وأن تواصل المؤسسات الحكومية والشركات الاستفادة من هياكل العمل عن بُعد لتحسين كفاءة أعمالها وخفض تكاليفها.
وقال تقرير لمؤسسة دبي للمستقبل إن العمل عن بعد لا يعتبر ابتكاراً أو ظاهرة جديدة على مستوى العالم، بسبب انتشار فيروس كورونا، حيث تنتشر ممارسات العمل عن بُعد في العديد من قطاعات الأعمال، مثل أعمال تقنيات المعلومات والتسويق وتطوير التطبيقات، وأنواع محددة من مبيعات التجزئة، بهدف زيادة الإنتاجية والتعاون الافتراضي، وتقليل تكاليف استئجار المكاتب والسفر وإقامة الفعاليات والمناسبات، وتخفيض البصمة الكربونية من خلال تقليل تنقلات الموظفين، وتراجع استهلاك الكهرباء في المكاتب.

الإنتاجية بالإنجاز
ويرى التقرير أن العمل عن بُعد مناسب تماماً لأنواع معينة من الأعمال، من أهمها تلك التي تتطلب أوقاتاً طويلة من البحث والتفكير. ويلفت التقرير إلى أن تقاس الإنتاجية بناء على مستوى الإنجاز وليس الحضور، بحيث يدير الموظفون أوقاتهم ذاتياً بدلاً من الاعتماد على نظم وآليات تراقب أوقات عملهم.
من جهة أخرى، أكدت شركة الأبحاث جلوبال وركبليس أناليتكس أن نسبة العاملين عن بعد من المنزل ارتفعت في العام الجاري بـ140% عالمياً مقارنة بعام 2005.
وأفادت شركة تطوير نظم مؤتمرات الفيديو "أوللابس" بأن 16% من الشركات في العالم توظف حصرياً العاملين عن بعد. أما منصة العمل عن بعد (أب وورك) فتتوقع أن تشغّل 73% من الإدارات في العالم، موظفين عن بعد بحلول 2028.

المكاتب استثناء
في السياق ذاته، أظهرت دراسة لمركز المستقبل للأبحاث أن أزمة كورونا في طريقها لجعل العمل عن بعد قاعدة، والذهاب إلى المكاتب هو الاستثناء.
وتساءلت الدراسة التي أعدها الباحث علي صلاح: هل تسبب أزمة كورونا اختفاء المكاتب؟
وقالت إن الأزمة الراهنة كشفت جوانب لم ينتبه إليها البشر من قبل في أساليب أداء العمل، وقد يكون ذلك هو الأمر الحاكم في سياق هذا التحول في المستقبل، وفي هذا الإطار أشارت إلى استقصاء لقناة "سي إن بي سي" الإخبارية الأميركية، لتقصي رأي عدد من مديري الشركات والبنوك الكبار حول العالم، حيث خرجت النتائج جميعها تؤكّد أن (العمل من المنزل) قد يكون هو (الوضع الطبيعي الجديد) لكثيرٍ من الموظفين والمديرين كذلك. كما أن شركات كبرى مثل (مونديليز) و(نيشن وايد) وبنوكاً كبرى مثل (مورغان ستانلي) و(باركليز)، باتت تفكر جدياً في انتقال دائم للعمل من المنزل، بما يقابله ذلك من تقليص لمساحات المكاتب.

التوازن مطلوب
واختتم الباحث قائلاً: إن كان للعمل عن بعد مزايا، كونه يقلص تكاليف الشركات، وبالتالي يضمن لها المزيد من الأرباح، ويُساعد، في الوقت ذاته، على تقليص استهلاك الطاقة، وما يرتبط بذلك من إيجابيات على البيئة؛ إلا أنّ الاستفادة من هذه المزايا لا بد أن تُدار بشكل متوازن، وبما يضمن تعظيم الفائدة وتقليل الأضرار قدر الإمكان، من أجل الحد من تفاقم أزمة البطالة العالمية، والحد كذلك من تأثيرها المتوقع على الاقتصاد الكلي، لا سيما في الدول التي تمثل القطاعات المرشحة للتأثر سلباً بسببها نسباً كبيرة من ناتجها، وعلى رأسها القطاع العقاري.