وسط جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، باتت ممارسة التباعد الاجتماعي الجسدي أنجع الطرق لمكافحة الفيروس، لكن معالم القلق ظهرت على الناس حول ماذا يمكن أن يفعلوا وسط هذه الظروف وكيف يتجاوزونها؟ لكن على الضفة الأخرى من الأزمة، كانت هناك إجابات مطمئنة تقدمها لينا عمر رشراش، مدربة تطوير الذات ورفع الوعي الصحي، لقراء «زهرة الخليج».
• كيف نرصد اختلاف الناس في وعيهم في التعامل مع الأوبئة؟
- لو راقبنا أنماط الناس سنجد من يقابله بالاستخفاف والاستهانة بالمعطيات، وهذه الفئة تتعرض للضرر وتنقله لغيرها. وهناك أشخاص قلقون وخائفون من الموت، وهذا في حد ذاته يخفض من كفاءة الجهاز المناعي. وهناك من تعامل مع الجائحة بوعي وفطنة.
• ما الطريقة المثلى للتعامل مع الأوبئة؟
- الجميع مطالبون باللطف مع الآخرين، فلنرسل معاً طاقة حب تحتوي الخائف من دون انتقادات لاذعة لسلوكياته اللا واعية، ولنرسل معاً طاقة شفاء تغمر المرضى وتخفف آلامهم، ولنرسل معاً طاقة امتنان عظيمة لكل من احتاط والتزم واتبع التعليمات وتسلح بذبذبات الأمل والتفاؤل والبهجة، التي من شأنها أن تبعد وتقلص حجم المصائب والكوارث. على كل شخص أن يختلي بذاته وأن يقرر بصدق تغيير عاداته وسلوكياته وأنماط تفكيره، وأن يحاول تقوية نقاط ضعفه كي يستفيد من هذه المرحلة ويخرج منها بأفضل النتائج.

تجربة أرضية
• ماذا تقولين لمن يفكرون ضمن إطار المعتقدات والأفكار التقليدية فيما يخص الأزمات؟
- دعونا نفكر خارج صندوق الروتين اليومي، بما أننا نعيش تجربة مختلفة علينا جميعاً. أنا أسمي هذه الأزمة بـ«التجربة الأرضية»، وهي بمثابة دعوة للجميع لوقفة تأملية مع الذات، والتفكر بأبعاد ما يحدث وأهميته من ناحية نفسية، والنظر بنظرة شمولية من زاوية مختلفة كحدث كوني.
• كيف نستفيد من هذه الأزمة؟
- الأزمات أفضل وقت نعمل فيه على ذواتنا من الداخل، حيث تطفح على السطح مشاعرنا، معتقداتنا، حقيقة أخلاقنا ومعادننا، ونبصر أنفسنا وغيرنا بوضوح تام. فقط اسمح لروحك بأن ترشدك للخيارات الأنسب لك في هذه المرحلة، وأنصِت لصوت الوعي بداخلك الذي سيدلُّكَ على الكثير من الإيجابيات، بعيداً عن نظرة الوعي الجمعي غير المتقبل للتغيير الذي يحدث الآن، والإصرار بأنه كارثة حقيقية على جميع المستويات.
• ماذا عن الخوف الذي يمكن أن يحدث في مثل هذه الظروف؟
- ما أجمل أن نحتوي خوفنا الفطري ولا نسمح له بأن يسيطر على كل جوانب حياتنا، وأن نكون مصلحين بين الناس وأن نطمئن من حولنا بأن يروا الأمر على أنه مرحلة استيقاظ وصدمة لغالبية البشر، الذين كانوا يغطون في نومٍ عميق لسنواتٍ طوال من دون التفكير في أنماط حياتهم الشخصية، فمع استسلامهم التام لدوائر الارتياح والمُسَلمات التي اعتادوها لسنوات، اكتشفوا الآن أنها ليست مُسَلمات، فالذهاب للمدارس والاستقرار الوظيفي وارتياد المراكز التجارية والحياة الاستهلاكية، لم تعد هي تلك الحاجات الأساسية المتربعة على عرش الأولويات في حياتنا خلال هذه المرحلة، واكتشفنا أننا بكل بساطة نستطيع العيش من دونها، فهي صدمة لتوقظ الناس من الاعتماد على المادية إلى الحالة الأصلية الفطرية للاتصال الروحاني بالمصدر. فلو تأملنا اللطف الخفي الكامن في قلب ما يحدث، لوجدنا أنها مرحلة توعوية فيها خير وتوسع كبير، يسهم في ارتقاء المجتمعات وترتيب القيم والأولويات.

إعادة توازن
• ما السمات الشخصية التي تؤهل للخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر؟
- من خلال ملاحظتي لما يحصل وجدت أن المستيقظين أي بمعنى المنتبهين لعلاقتهم بذواتهم، والمنشغلين بإصلاح ملفات حياتهم، والذين لا يسمحون لأنفسهم بالنوم في حلم الحياة، لم يتضرروا ولم ينظروا بتلك النظرة السوداوية للأحداث الراهنة. فصحة أجسادنا ووعينا وتفكيرنا ونظام حياتنا، يجب أن يتناسب مع الطاقة المنسابة في المرحلة المقبلة، فإن جاز التعبير فالأرض تقوم بانتفاضة لاستعادة توازنها بعد كل ما حدث عليها من تلوث براً وجواً وبحراً، فالاحتباس الحراري وثقب طبقة الأوزون واختلاف المناخ وتلوث مياه البحار، كله حدث بسبب الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي الذي ضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية للحفاظ على هذا الكوكب الأخضر.
• كيف ترين تأثيرات الأزمة على المستويين الفردي والجمعي؟
- ما حدث وحد الجميع وأعاد صياغة صلتنا بالله بمستوى مختلف وأعمق، بعيداً عن الشكليات من خلال عدم التفريق بين الناس، فكلنا معرضون للإصابة على مختلف جنسياتنا، أدياننا، ألواننا، أعراقنا أعمارنا ومسمياتنا الوظيفية. من هنا أحب أن أشير إلى ثقافة (رقة القلب) التي شهدناها بين الناس، والخوف على المصالح المشتركة لأن هنا القاعدة تختلف (إذا تعرضت أنت للضرر، فحتماً هذا سيلمسني أيضاً، فالضرر ينتقل منك وإليك)، فعدنا للفطرة وعملنا بقاعدة (لا ضرر ولا ضِرار) أصبح كل شخص مسؤول عن سلامته وسلامة أخيه في الإنسانية (أحب لأخيك ما تحبه لنفسك).