بالنظر إلى الوراء، من الصعب تذكر اللحظة التي تركنا فيها حياتنا القديمة وراءنا، ودخلنا هذا الكوكب الجديد الذي لا يغادر سكانه منازلهم إلا للضرورة القصوى، أغلقت الدول أماكنها العامة حتى المدارس والمصانع، وألغيت الفعاليات والاجتماعات ورحلات السفر وأمر الملايين بالعمل من المنزل، وبدلت خططاً وسياسات لأنظمة وكيانات وأفراد. ربما أحدث الفيروس التاجي كورونا المستجد «كوفيد 19» فوضى عالمية، قلقاً وخوفاً، لكنه في ذات الوقت أعاد ترتيب المجتمع بطرق درامية، فعطل عادات سيئة، وقلب روتيناً خاطئاً رأساً على عقب، لكنه بذات الوقت كان لفعلته جانب مضيء للأزمة، فما أبرز الأمور الإيجابية التي أظهرتها الجائحة وما اثرها علينا  وكيف غيرت أنفسنا ومجتمعنا  ونظرتنا إلى مستقبلنا؟ ..«زهرة الخليج» بحثت عن التغيير في نفوس الناس، فماذا وجدت؟

فنانون هاجمهم كورونا
أعلن نجم هوليوود توم هانكس وزوجته الممثلة والمغنية ريتا ويلسون إصابتهما بفيروس كورونا في 12 مارس الماضي، وقد خرج كلاهما بعد بضعة أيام من المستشفى في مدينة غولد كوست على الساحل الشرقي لأستراليا. كما أعلن الممثل البريطاني إدريس ألبا بعدهما بأسبوع كامل أن فحصه من الفيروس كان إيجابياً ووضع نفسه في العزل. وأصيب الكاتب التشيلي لويس سيبولفيدا الذي يعيش في شمال إسبانيا بالفيروس، وقد شعر بالأعراض الأولى بعد يومين من عودته من مهرجان أدبي في البرتغال.

إيمان بالتغيير
يؤمن عبد الله الشحي (موظف في قطاع حكومي) بأن أزمة بهذا الحجم من المؤكد أن تغير العالم إلى الأفضل أو الأسوأ، ويوضح: «وجودنا محتجزين في منازلنا - ربما لأشهر - يعيد علاقتنا بأنفسنا والعالم الخارجي، وحتى ببعضنا البعض. إضافة إلى إعادة وإحياء تقديرنا للأماكن الخارجية ومتع الحياة البسيطة الأخرى، لذا فلنقدر تفاصيل حياتنا اليومية التي لم نكن ننتبه لها سابقاً على أنها نعمة، فهي كانت تقبع تحت خانة المُسَلمات، مثل بعض الأمور الصغيرة كعودتنا من العمل مرهقين، احتفائنا بعطلة آخر الأسبوع، مشاوير التسوق التي كنا نتذمر منها».

توطيد العلاقات
الرسالة التي بثتها كورونا من وجهة نظر حصة المنصوري (ربة منزل) بسيطة ومروعة، شارحةً: «الآخرون، أيا كانوا، هم تهديد محتمل. التهديد غير مرئي  ولا معروف، خبيث، يتربص في كل مكان وزاوية، وبالتالي من المستحيل تجنبه. فالحياة كما نعرفها لم تعد موجودة. لكن هناك جانباً إيجابياً ومهماً، فمع إغلاق المدارس ومكوث الأطفال في المنزل، تستطيع العائلات استغلال الوقت في توطيد العلاقة الأسرية عن طريق ممارسة أنشطة جماعية مثل الألعاب أو الرياضة أو الطهو. هذه الأنشطة تقرب أفراد الأسرة من بعضهم البعض وقد تكون فرصة لنسيان الخلافات وحل المشكلات معاً».

النسخة الأفضل
بعض التغييرات التي رأيناها مع انتشار الوباء قد تبدو غير مألوفة أو مزعجة بالنسبة إلى جميع سكان الأرض ومن ضمنهم فاتن محمود (محامية)، إذ تقر بأن ذهنها يحمل كثيراً من الاستفسارات، منها (هل ستظل الدول مغلقة؟ هل يصبح اللمس من المحرمات؟ ماذا سيحدث للمطاعم؟) لكن مع تلك الأسئلة التي تقلقها، ترى أيضاً أن لحظات الأزمات توفر أيضاً طرقاً جديدة للتواصل ودعم الناس بعضهم البعض في الشدائد. وتضيف: «كمية التغيير التي تحصل لبني البشر في هذه الفترة ستكون وقود المرحلة المقبلة، فكثير من التغييرات الجذرية بتكويننا ووعينا وشخصياتنا وترتيب أولوياتنا تحدث الآن، ولن نكون مستقبلاً نحن أنفسنا قبل الأزمة، لأن الجائحة ستجبرنا على إعادة النظر في هويتنا وما نقدره وعلى المدى الطويل، يمكن أن يساعدنا  ذلك على إعادة اكتشاف النسخة الأفضل من أنفسنا».

عالم جديد
يرى طلال إبراهيم (مهندس) أن أزمة فيروس كورونا هو إيذان بعصر جديد، يصبح فيه العمل من المنزل جزءاً لا يتجزأ من برامج المؤسسات والأفراد، ويوضح بالقول: «اكتشف الكثير أن العمل بكفاءة في العديد من الوظائف، لا يحتاج سوى تنزيل تطبيق أو تطبيقين على جهاز الكمبيوتر إضافة إلى إذن من المدير، لذلك سيكون من الصعب  بعد هذه الأزمة حرمان الموظفين من هذا الخيار، فبعد نجاح العمل عن بعد، سنرى كذلك عالماً جديداً من الثقافة العصرية، عندما يتم الحفاظ على اتصالات مكثفة ولكن من دون اجتماعات شخصية، ويزدهر فيه المزيد من الأدوات التكنولوجية والمعرفة العلمية، فالأزمة كذلك فرصة للالتفات إلى أمنا الأرض، وعدم التفكير بأنانية في الشراء الاستهلاكي العشوائي والتفريق بين الحاجات والرغبات، وعدم شراء ما يضر الكوكب من مواد غير قابلة للتدوير».

قيم مجتمعية
يتوقع جمال أبو صالح  (محاسب في القطاع الخاص) أن جائحة الفيروس التاجي ستسبب آلاماً ومعاناة هائلة. هناك من سيفقدون أعمالهم واستقرارهم الوظيفي، لكن تجربة العمل لآخرين عن بعد فرصة للراحة من اللهاث اليومي، وستزول الضغوط والتوترات والصراعات اليومية مع العزل المنزلي ويعيد الجميع ترتيب أفكارهم. وفي اعتقاد جمال أن الحياة الاجتماعية تحتاج إلى أزمة بين الحين والآخر لاختبار قوتها، ويشرح: «الأزمات هي لحظة الحقيقة، حيث ستحظى القيم المجتمعية للتعاون بالأولوية، في حين أن التقييم الفردي للأشخاص حسب مراكزهم الاجتماعية أو شهرتهم أو ثروتهم ستفقد بعضاً من بريقها وبناء على ذلك تتحول مُثلنا العليا وأنظارنا في مثل هذه الأوقات إلى الأشخاص الذي يمدون يد العون للآخرين وإلى تقدير أصحاب مهن لم نكن نلتفت إليهم اجتماعياً ومادياً، سنحتفي ونمنح أهمية كبيرة لمن يضحون بمصالحهم الذاتية من أجل الصالح العام، ويظهرون التعاطف ويقدمون لنا النموذج الإنساني، سوف نفهم بشكل أفضل كم نحتاج إلى بعضنا البعض».

اتحاد العالم
يجد الدكتور علاء رجب، استشاري الصحة النفسية، أن أهم تأثير طرأ على البشرية جراء انتشار فيروس كورونا، هو اتحاد العالم كله في محاربة ذلك الفيروس المدمر، وتبادل الخبرات بين الدول مبيناً: «لعل ذلك لم يكن ليحدث في تاريخ البشرية من قبل، ومن المؤشرات النفسية الواضحة هو زيادة معدلات القلق والخوف المرضي بين المجتمعات»، ويشير الدكتور علاء إلى أن هناك من تعامل باستخفاف مع هذا القناص الخفي، وهناك من تعامل بحذر واهتمام، وبدأ يسأل ويدرك حجم خطورته، وهناك من أصيب بالوسواس القهري والخوف الشديد في التعامل مع ذلك الفيروس، مبيناً: «يجب أن ندرك أننا مختلفون بكل شيء، ولذا علينا احترام ذواتنا ومخاوفنا التي تستند إلى حقائق عشناها في متابعه تطور الفيروس».

أنماط سلوكية  
ترى دوللي حبال (أخصائية تشخيص ومعالجة الأمراض النفسية) أن أزمة كورونا أثرت في معظم الأفراد كباراً كانوا أم صغاراً، وأثارت العديد من الأسئلة الوجودية، كما نتجت عن هذا الوباء أنماط سلوكية ونفسية مختلفة، مثل موجات من الخوف الجماعي وهلع الشراء، خوفاً من حدوث ندرة في السلع الاستهلاكية أو انعدامها، مما دفع بعض التجار إلى تخزين سلع بعينها، انتظاراً لارتفاع أسعارها، إضافة إلى حالات الخوف والذعر التي تصيب كثيراً من الناس من الإصابة بفيروس كرونا أو إصابة أحد أفراد الأسرة. وتضيف: «سرعة انتشار الوباء وعدم اكتشاف دواء أو لقاح له، كرس لمزيد من السلوكيات غير المنطقية، فالوباء أطر لأزمة وجودية، يمكن أن يحولها الناس إلى دوافع إيجابية، لمزيد من معرفة الذات وإعادة اكتشاف الآخر وعلاقة كل ذلك بالبيئة التي حولنا، وأن نتحقق إنسانياً بعلاقتنا بالله عبر التوكل عليه حقاً».

قبل وبعد
تشير الدكتورة نهى محمد (أستاذة مادة العلوم السلوكية) إلى أن لحظة ما قبل فيروس كورونا ليست كما بعدها، مؤشرة إلى أن الفترة الحالية ربما تكون فتره حاسمة يكتشف فيها الأفراد والمجتمعات والحكومات طرقاً جديدة للعيش وأساليب العمل ووسائل التواصل، ليتم فيها الترتيب الصحيح لأولويات الحياة والإدارة السليمة لمواردنا، وتضيف: «علينا أن نستعيد الطاقات الإيجابية في نفوسنا، حتى نتخطى تلك الأزمة ونتذكر دائماً أن الكثير من الابتكارات واختراعات البشرية في القرن العشرين، جاءت في ظل الحربين العالميتين الأولى والثانية، فكان سباق الحياة والموت الدافع الأكبر لابتكار أحدث شبكات الاتصال وغزو الفضاء وعلوم الذرة».

رياضيون لم يسلموا من الفيروس
وضع بليز ماتويدي، بطل العالم في كرة القدم مع المنتخب الفرنسي في 2018، نفسه في العزل طواعية في المنزل منذ 11 مارس الماضي، ولأسبوعين، بعدما جاءت نتيجة اختباره إيجابية. وكتب على حسابه على تويتر: «أنا إيجابي، أنا قوي والروح المعنوية جيدة». وكان ناديه يوفنتوس قد أعلن إصابة المدافع الإيطالي دانيال روغاني بالفيروس. وكإجراء وقائي، وضع زميلهما كريستيانو رونالدو في العزل لعدة أيام في جزيرته ماديرا بمسقط رأسه بالبرتغال، على الرغم من أنه لا يعاني أي أعراض. ودعا عبر الشبكات الاجتماعية معجبيه إلى التقيد بالتعليمات الصحية، قبل أن يعلن نجم الفريق الارجنتيني باولا ديبالا إصابته هو وزوجته بالفيروس ويخضعان للحجر المنزلي. وفي إنجلترا، أعلن مدرب فريق أرسنال ميكيل أرتيتا الإسباني أن اختباره إيجابي، مثل لاعب من فريق تشيلسي. بينما جاءت نتائج اختبارات سبعة من لاعبي كرة السلة في الدوري الأميركي للمحترفين إيجابية، وآخرهم أربعة لاعبين من بروكلين نتس بينهم النجم كيفين دورانت، بعد رودي غوبرت ودونوفان ميتشل (يوتا جاز)، ولاعب من ديترويت بيستونز قالت وسائل الإعلام الأميركية إنه كريستيان وود.