جامعية مثقفة حولت موهبتها الطفولية إلى حرفة رائعة، فحرّكت قلمها لرسم وجوه وحكايات تنقلها عينها الثاقبة. إنها نورة سحمان الشابة السعودية، الزوجة والأم التي رسمت غلاف «زهرة الخليج» لعدد مايو، لتعبّر من خلاله عن أن العائلة تأتي في المقام الأول دائماً، وكلها أمل وثقة في أن أفرادها من الجدة إلى الحفيد ستجتمع قريباً، بعد أن فرض فيروس كورونا المستجد الحجر الصحي عليهم، فيما لا تنفي أن الأزمة نفسها قربت أفراد العائلة من بعضهم البعض، وزادت من تماسكهم، وعمقت أواصر التراحم والحب غير المشروط بين الأبناء وآبائهم والعكس. فالخوف والحيطة سيدا الموقف، ويظهران جلياً في حرص الأبناء على عدم الاختلاط بالأكبر سناً، وهذا ما فعلته نورة وزوجها الطبيب ..تفتح نورة دفتر مخطوطات حياتها الجميل وأفكارها الغنية في هذا الحوار.
• كيف تعرفين نفسك للقراء؟
- أنا من مدينة الرياض واسمي الحقيقي نورة السبيعي، ولكنني عُرفت على موقع انستجرام باسم نورة سحمان. أم لطفلين: جوزاء (9 سنوات) وسعود (5 سنوات). درست برمجة الكمبيوتر، وسافرت إلى كندا لتأسيس عائلتي عام 2008، حيث درست هناك أيضاً العلاقات العامة، ثم عدت قبل سنتين للسعودية.

ما تفعله قهوتكم
• كيف رسمتِ خطواتك الأولى في عالم الـillustration؟
- بعد انتهاء دراستي الجامعية في كندا، وإنجابي طفلي سعود بدأت بالرسم وهي موهبة كانت لديّ منذ الصغر، ولكنني لم أطورها. وفي أحد الأيام بعد أن أوصلت طفلتي جوزاء إلى المدرسة برفقة زوجي، توقفنا في أحد المقاهي الكندية الصغيرة الذي يملكه أحد المهندسين المهتمين بالفن، وفيه أرفف تعرض عليها دفاتر ملاحظات وأقلام للرسم وغيرها للبيع، فاشتريت دفتراً وأقلاماً ورسمت رسمة وتركتها لهم. ودونت على هذه الرسمة العبارة التالية: (هذا ما تفعله قهوتكم)، فما كان منهم إلا أن وضعوا الصورة على حسابهم في انستجرام، ولاقت تعليقات إيجابية عديدة. وهكذا بدأت الرسم في المنزل، وتحول الأمر من هواية إلى (بزنس) بسيط، فصارت تردني طلبات من المعارف على غرار رسمة لغرفة ابنتي، أو بطاقات دعوة أو تذكارات وغيرها. ورويداً رويداً فتحت حساباً وبدأت أتلقى المزيد من الطلبات، إلى أن انتقلت عام 2015 إلى تورنتو، وازدهر العمل فتعاونت أولاً مع أحد السعوديين فصممت قائمة الطعام لمقهى يملكه وهذا ما يدعى بـ custom illustration وهكذا دواليك.
• كيف تصفين شخصيتك الإبداعية التي تظهر من خلال الرسم؟
- الرسم فنٌ يعبر عن أفكاري، ومنها في الموضة والأزياء التي أعتبرها من الفنون أيضاً، فأصبح لدي زبائن في هذا المجال أتعاون معهم لرسم صور بروفايل للمجلات وغيرها. وعندما انتقلت إلى السعودية، نظمت ورش عمل في التلوين المائي تتضمن حلقات حوارية للأطفال وصولاً إلى عمر المراهقة. ويمكن القول إنني حولت موهبتي من هواية إلى عمل ثم تعليم، وحاولت نشر ثقافة تلقين الأطفال الهدوء والسكينة والرسم من دون ضغوط وتوتر، مع القراءة واستخلاص أفكار رسومهم من الكتاب الذي تتم قراءته. باختصار، الرسم هو طريقتي في التعبير عن الذات وجزء مكمل لشخصيتي.

التقاط اللحظات
• أي الموضوعات تجدين أن فيها متنفساً ومساحة إبداعية أغزر؟
- أنا ألتقط اللحظات وأحولها إلى فن، لأننا مع وقع الحياة السريع نقوم بالتصوير من غير تركيز، فعندما يستوقفني أمر ما أحوله إلى رسم. وغالباً ما يكون عبارة عن صور تتحول إلى فن، فأنت تلتقطين اللحظة، والفكرة تعبر عن لحظة معينة تتحول رسماً، وهذا ما أميل إليه. وأنا مهتمة بالأزياء والموضة لأنها تعبر أيضاً عن شخصية الناس وعن أوضاعهم الاجتماعية.
• ماذا يعني لك رسم غلاف «زهرة الخليج»؟ وماذا في تفاصيله؟
- أحب المجلات وأتصفحها ولم أتخيل في يوم ما أن أرسم غلاف «زهرة الخليج» المجلة التي أقرؤها منذ الطفولة. أحب المطبوعات الورقية من مجلات وصحف، صحيح أننا اتجهنا إلى الرقمي ولكنني أعشق المطبوعات، ومجلتكم كانت نافذتنا إلى العالم قبل ظهور «السوشيال ميديا». وفي رسم الغلاف ركزت على تقدير العائلة والحميمية، لأن هذه الظروف الصعبة جعلتنا نقدر الأمور التي لها قيمة في الحياة.

لطف خفي
• في رأيك كيف أثر الحجر الصحي في العائلة؟
- بالنسبة لي، فإن طبيعة عملي من المنزل لم تجعل الأمر صعباً عليّ، كما أنني أعتبر العمل من المنزل رفاهية وأمراً جميلاً. ويختلف التغيير من شخص إلى آخر، وما تغير بالنسبة لي هو الروتين، فلا مدرسة أو عمل والكل موجود في المنزل، وهو ما أعتبره فرصة لنتعرف كعائلة إلى بعضنا أكثر، لأننا لم نكن فعلياً نقضي الوقت معاً. نحن نستمتع بهذا الأمر وأعتبره نعمة مع أن الوضع صعب، فلو تفكرين في الموضوع وكأن ثمة لطفاً خفياً للعودة إلى الذات وترتيب قائمة الأولويات. كان نمط الحياة السريع يفرض علينا القيام بأمور عديدة وقد تكون بلا قيمة فعلية، فلنفعل الآن ما يحلو لنا وندع أطفالنا يفعلون ما يحلو لهم.
• هل كنا نحتاج لهذه الصفعة القوية التي لفتت الأنظار إلى أهمية العائلة وتماسكها؟
- عندي يقين بأن الله أعلم بما يحتاجه الإنسان وهذا ما يريحني. كلنا نتفق على أننا كنا نفتقر للوقت ومرهقين ومشوشين، ويا ليتنا نتعلم من هذا الدرس الصعب بما فيه من خسائر جمة ولنرى الجانب المليء من الكوب.

ترتيب الأولويات
• هل تعتقدين أننا سنستفيد من هذه العِبر في ما بعد كورونا؟
- عندما تفقدين الشيء يكون تقديرك له أكثر، وتستطيعين ترتيب الأولويات والأشياء الأهم التي تتوازى مع طموحك وشخصيتك، عندما توقف كل شيء صرنا نعرف ما نحتاجه بالفعل. بينت قيمة العلم والوطن والصحة. ثمة غربلة لكل شيء، وستتغير نظرتنا إلى كل الأمور.  
• في رأيك هل هي صرخة أيضاً من الكرة الأرضية لوقف الانتهاكات المسيئة للبيئة والثروات؟
- الكرة الأرضية تتنفس الآن، لم نكن نشعر بهذا الهدوء.. أنت مجبرة وسعيدة الآن على شعورك بالهواء النظيف وأصوات العصافير.

جنود الوطن
• ما طبيعة عمل زوجك وكيف يسهم في مواجهة هذا الوباء؟
- زوجي حمد السبيعي هو جراح مناظير وسمنة وأكاديمي. بالنسبة لي ولأطفالي بدأ الحجر قبل بداية تفشي فيروس كورونا، وقبل إقفال المدن نظراً لأنه يذهب إلى المستشفى، فقررنا أن نحجر أنفسنا بنفسنا، لكيلا نخالط أهلنا وأفراد العائلة الآخرين. تجربتي كزوجة لطبيب جعلتني أرى الوضع عن قرب، ولا أستطيع القول إن زوجي يفعل شيئاً لأنه واحد من جنود الوطن الذين يلعب كل واحد منهم دوره.. أنا فخورة به وبكل فرد من وطني يقوم بدوره كاملاً.