لم تمنع وديمة الفلاحي الإعاقة الجسدية وفقدان البصر، بسبب الحادث الذي تعرضت له، من إتمام حفظها القرآن الكريم كاملاً، لتحصل على إجازة وسند من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، وتصبح بعد ذلك محفظة للقرآن الكريم في مركز زايد لتحفيظ القرآن التابع للهيئة.
وديمة، واحدة من حفظة القرآن الكريم، تعاني ضعفاً شديداً في البصر بسبب تعرضها لحادث، حيث انقلبت بها السيارة هي وأخيها الأصغر عام 1994 ودخلت في غيبوبة لأشهر عدة، بسبب كسر في الجمجمة، وعندما أفاقت منها تعرضت لصدمة نفسية، لأن الحادث ترك أثراً على عينيها، كما علمت أن شقيقها الأصغر الذي كان يقود السيارة توفي.

التجارة والأعمال
تشير الفلاحي إلى أنها عندما تعرضت للحادث كانت طالبة في جامعة الإمارات تدرس تخصص إدارة الأعمال، لأنها كانت ترغب في أن تكون رائدة أعمال، فهي تهوى التجارة والأعمال الحرة، بيد أن الله أراد لها بداية حياة جديدة بعد الحادث، واختار لها الأفضل، فقد توقفت عن الدراسة في جامعة الإمارات، وبدأت في حفظ القرآن الكريم والتفكير في الحادث، خاصة أنها أصيبت بحول شديد بسببه وأجرت عملية جراحية لعلاجه، لكنها لم تعالج صعوبة الرؤية.

بداية الأمل
تروي وديمة حكايتها، قائلة: «بداية الأمل والحياة الجديدة والانطلاق في الحياة، والتي أسهمت في أن أتخطي كل الصعوبات والمعوقات، كانت عندما ذهبت لزيارة تطوعية لمركز الأمل لذوي الهمم ذات يوم، وهناك قابلت حالة إنسانية لفتاة في مثل عمري، والتي القت علي كيساً فارغا للحلوى، فاندهشت وسألت عن قصة الفتاة، فأخبرني الطبيب أنها تعرضت لحادث مماثل إلا أنها أصيبت بإعاقة ذهنية، وأن الفرق في مكان الكسر بيني وبين الفتاة هو بوصة واحدة فقط، فشعرت بأن الله منحني عمراً جديداً، ومنّ عليّ بفضله بأن تكون الإصابة في العين، وأن المخ بخير ولم يتأثر».

تحويل مسار
قررت وديمة بعد هذه الزيارة ومقابلة تلك الفتاة، البدء في حفظ القرآن الكريم ودراسة اللغة العربية والتربية الإسلامية في كلية التربية بجامعة الحصن، ثم حصلت على الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة زايد.
وتوضح أنها تعمل الآن مُحفظة قرآن في مركز الشيخ زايد لتحفيظ القرآن، بعد أن أتمت حفظه كاملاً، وحصلت على إجازة وسند ولديها رسالة تعيش من أجلها، وهي مساعدة الناس على حفظ القرآن الكريم وفهم أحكام التجويد والقراءة الصحيحة، فهي ترى أن القرآن منهج حياة. تلفت وديمة النظر إلى أن القرآن الكريم يحتوي على المبادئ التي تحدد نهج المسلم، ناصحة الجميع بأن يكون لهم ورد يومي من القراءة، بعد ضرورة تعلم أحكام التجويد والقراءة الصحيحة وعدم هجر القرآن الكريم، والتفقه في معانيه وتطبيق المقصود منه في حياتنا اليومية حتى يكون نوراً لنا على الطريق.

صعوبات الحياة
تشير وديمة إلى أن حفظ القران ليس من الأمور الصعبة، فالكل يستطيع إذا أراد ذلك، وتقول: «وفرت الدولة الكثير من المراكز والمساجد لتحفيظ القرآن، وهناك المئات من الحفظة الذين تحدوا صعوبات الحياة مثل الإعاقة أو الأمية وكبر السن، فضلاً عن غير الناطقين باللغة العربية من المسلمين، بينما هناك من ليس لديهم حتى الشغف أو الاهتمام بمجرد قراءته، وكثيراً ما نرى البعض يتلون القرآن خلال شهر رمضان المعظم، ليتركوه ثانية بمجرد انتهاء الشهر الكريم».  

التكنولوجيا الحديثة
تقول وديمة: «نعيش اليوم عصراً أصبحت فيه التكنولوجيا الحديثة والإنترنت، من أساسيات الحياة التي لا غنى عنها، وصارت أيضاً وسيلة لهدر الوقت، وهذا ما يؤدي إلى ازدياد الفجوة بيننا وبين كتاب الله الذي هو طريقنا نحو النور في الدنيا والآخرة، فعلى أولياء الأمور البدء مع أبنائهم في سن مبكرة بتعلم القرآن وأحكامه وفهم معانيه، لأن ذلك يسهم في بناء الشخصية المستقيمة».

شهر رمضان
عن يومياتها خلال شهر رمضان، تقول وديمة: «لا أترك القرآن الكريم يوماً طوال العام، فأنا أتعلم من خلال السمع وأعلم الآخرين أيضاً، وفخورة جداً بإرادة الله، إذ اختصني بحفظ كتابه العزيز الذي أصبح نبراساً لي في حياتي اليومية، أهتدي به وأسير على هداه، ويأتي الشهر الكريم ليوفر فرصة لي كي أجتمع مع أطفال العائلة، ونجلس معاً بصفة مستمرة نتدارس أحكام القراءة وننهل من الذكر الحكيم، ونقضي أوقاتاً مثمرة وكأن رمضان بمثابة الدورة التعليمية المركزة والمكثفة، التي تثري أرواحنا وتجعل أجواءه عامرة بالإيمان والتقرب إلى رب العالمين».