هناك أناس لم يتعاملوا مع مفردات الحياة وصعوباتها كالآخرين، فأصبحت لهم إسهامات مؤثرة في تاريخ البشرية، وتطور المجتمعات في مختلف مناحي الحياة، سخروا أنفسهم ليسعد غيرهم في حياته، لكن معظم هؤلاء لا يعرفهم إلا من تعامل معهم.. هم قامات أبدعت وسنظل ندين بالفضل لـ«عقولهم».
ما كان للقدر الكوني أن يحيد عن هدفه، وهو يرتب للطبيب المصري ـ البريطاني مجدي يعقوب موعداً مع المجد، من خلال مهنة عجنت بالمشاعر الإنسانية وخيرية المقاصد، فأصبح أحد أشهر جراحي القلب في العالم، ليجري في مسيرته الطبية والإنسانية أكثر من ألفي عملية زراعة، وما يقرب من 40 ألف عملية قلب مفتوح.
وضع مجدي يعقوب لنفسه لبنات في صرح البطولات التي يذكرها البشر، لمن ينقذون الحيوات ويصونون صحة أبناء وبنات، حتى تطول حياتهم وهم يرفلون في أثواب العافية، متأثراً في صغره بما أصاب قريبته، حيث قال في أحد لقاءاته: «حينما كان عمري 6 أو 7 سنوات، كان والدي طبيباً جراحاً، لكن عمتي في عمر 23 عاماً ماتت بسبب ضيق صمام القلب، فأصيب والدي بانهيار عصبي، ومن هنا جاءت فكرة التخصص في جراحة القلب مستقبلاً».
درس يعقوب الطب في جامعة القاهرة، ليمضي في طريقه والمهابة والعطاء يغزلان سيرته الملحمية، فانتقل إلى بريطانيا عام 1962، ليعمل في مستشفى الصدر بلندن، ثم أصبح أخصائي جراحات القلب والرئتين في مستشفى هارفيلد (1969–2001)، ثم مديراً لقسم الأبحاث العلمية والتعليم (منذ عام 1992)، وقد عُين أستاذاً في المعهد القومي للقلب والرئة عام 1986، واهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967، وقد منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس عام 1966، كما حصل على جائزة فخر بريطانيا عام 2007، نظير إنجازه أكثر من 20 ألف عملية قلب في بريطانيا، ويُطلق عليه في الإعلام البريطاني لقب (ملك القلوب).
 ولأن الدهر يحفظ لمن كان فعلهم المتجرد مصوباً لمصلحة الإنسان كيفما كان، اسماً وذكرى.. نال السير يعقوب تكريمات عدة، من بينها وسام دولة باكستان، ووسام الجمهورية اللبنانية، ووسام مدينة بارما، ووسام مدينة أثينا، وجائزة (راي فيش) من معهد القلب في تكساس للإنجاز العلمي في أمراض القلب والأوعية الدموية عام 1998.
في فبراير 2020 وصل البروفيسور مجدي يعقوب إلى منصة مبادرة صنّاع الأمل في دولة الإمارات، ليقلده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، (وشاح محمد بن راشد للعمل الإنساني) تتويجاً لجهوده في العمل الخيري والإنساني وإنجازاته الطبية والعلمية، التي منحت على مدى أكثر من خمسة عقود الأمل والحياة للملايين من المرضى حول العالم.
كما خصص ريع حفل صناع الأمل الختامي في التتويج لصالح مشروع العام الإنساني، وهو بناء وتجهيز مستشفى البروفيسور مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب الخيري في مصر، والذي يعد توسعاً لمشروعه الخيري والذي بدأه قبل أعوام من خلال إنشائه مستشفى أسوان للقلب، أقصى جنوب مصر، حيث يصبح  المستشفى الجديد لدى إنجازه كبرى المؤسسات الطبية المتخصصة في أمراض وجراحات القلب في العالم العربي، والذي يخصص 70% من عملياته للأطفال بلا مقابل، ضمن أكثر من 12 ألف عملية جراحية سنوياً لمرضى القلب.
إلى اليوم.. لا يزال الدكتور مجدي يعقوب يواصل مسيرة عطائه، تحيك له الأقدار وجوداً استثنائياً منفعلاً ومتفاعلاً مع ما تقدمه الحياة، من فرص لخدمة البشرية وصحتها.

سلم العظماء

بجهده ومجاهداته والرؤية الفريدة التي حفت ثنايا مشروعه الطبي، كان يعقوب يصعد يوماً بعد آخر سلم العظماء، حيث أجرى في عام 1983 عملية زراعة قلب لرجل إنجليزي يُدعى جون مكافيرتي، دخل بسببها موسوعة جينيس كأطول شخص يعيش بقلب منقول، وذلك لمدة 33 عاماً حتى وفاة جون مكافيرتي  عام 2016.