الفنان السوري الكبير غسان مسعود هو صاحب مبدأ (لنحصن أنفسنا.. وبعدها سنعرف كيف نخاطب الغرب). وسيراً على هذا النهج، يختار أدواره والشخصيات التي يقدمها في مشواره الفني، الحافل بالنجاحات والعطاءات العربية والعالمية، والتي صنعت منه ممثلاً متفرداً في أفكاره وقناعاته وقراراته. وغسان الذي اعتذر مؤخراً عن تقديم مسلسل «حارس القدس»، ويستعد لدراما رمضان 2020 بعمل معاصر عنوانه «مقابلة مع السيد آدم»، وأنجز مؤخراً الجزء الثاني من الفيلم العالمي «البارون»، كسر صمته الإعلامي ليكشف في حواره مع «زهرة الخليج» عن أعماله ورؤيته للساحة الفنية، وعلاقته بابنته المؤلفة لوتس مسعود.
• غسان، لماذا نراك مبتعداً عن الإعلام؟
- بسبب الاضطرابات والإحباطات التي مرت بهذه الأمة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، إذ أربكت من هم مثلي وكثيرين من الناس، بحيث وجدنا أن أصواتنا لن تكون مسموعة أمام هذه الفوضى والقلائل التي حصلت في مجتمعاتنا، وصمت لأنني وجدت أن صوتي سيكون ضعيفاً ولن يكون مسموعاً، لأن الضجيج الذي حصل في الأمة كان يطغى على كل شيء.

جسر تواصل

• لكن عليك كفنان أن تتكلم ولا تصمت؟  
- لن أقول كلاماً غير مؤثر، وإن لم يكن كلامي مؤثراً سوف أصمت.
• ألا يمكن أن يفسر صمتك ضعفاً في الوقت الذي تراه قوة؟
- بالنسبة لي عندما تأخذ خياراً في هذه الدنيا عليك أن تدفع ضريبته. وأنا دفعت الضريبة حينما اتهمت من الأطراف وليكن، وكنت أسمع فأضحك، لأني لا أعوّل على أصحاب الصوت العالي والصراخ والشتامين والباحثين عن الشهرة، بل أعوّل دائماً على العقلاء وهم كثر.

صديق التاريخ

• من خلال مشوارك الفني الحافل بالعطاء، اخترت كفنان أن تكون صديقاً للتاريخ، إذ قدمت العديد من الشخصيات التاريخية في الوقت الذي نجد فيه معظم الفنانين يميلون إلى تقديم الأدوار (المودرن) أو الشخصيات الشعبية الحاضرة، فهل لعبتها صح؟
- بتقديري لعبتها صح، فعندما أنظر إلى الإنجازات الشخصية جداً التي حققتها، بتواضع أقول إنني أميز مراحل أساسية في مشواري، وبين هذه المراحل هنالك الكثير من التفاصيل مجموعة من الأعمال التي لا أذكرها، فعندما أنظر إلى هذه المفاصل، أقول أنا أقيم حلفاً مع التاريخ ولا يعني لي الحاضر كثيراً، فلو كان الحاضر يعني لي لوجدتني في كل المسلسلات التي تظهر كل يوم، بالتالي أعوّل على التاريخ، والحاضر أعتبره مرحلة من التاريخ.
• هل يستهويك في التاريخ الشخصية التي تقدمها أم المرحلة الزمنية التي تمر بها الشخصية؟
- الشخصية والعصر مرتبطان. مثلاً، عندما قدمت (الحلاج) في رمضان الماضي، لم أكن أشتغل على الشخصية، بل على عصر بأكمله ومن ضمنه الحلاج، فأنا لا أميل إلى تجسيد شخصيات هي اليوم حاضرة أو رحلت منذ سنوات قليلة لأنها لا تزال مؤثرة، ولا أستطيع أن أنافسها كممثل بتمثيلها.. هذا غير مستحب، لذلك تجدنا كفنانين نلجأ إلى شخصيات مضى عليها عشرات أو مئات السنين.
• قد تبدو في الظاهر أن الشخصيات التاريخية أكثر أمناً للفنان على اعتبار أنها طواها الدهر، بينما الشخصيات الحاضرة عليها محاذير قد يكلفك التعرض لها الكثير من العواقب، وكأنك تدخل (وكر الذئاب)!
- هذا صحيح، أحياناً ذهابنا إلى شخصية تاريخية هو أحد أشكال الهروب الإيجابي إلى الوراء، بسبب العناصر التي ذكرتها، فالمحاذير تعود خفيفة لأن زمنها وشهودها بعيدون، وبالتالي ستكون الرقابة بعيدة، وهامش الحرية أوسع بكثير، وما دام هو هروب فالأمر مشروع، لنتعلم ولنطل على ذلك الزمان كيف كان يساس؟ وكيف كانت العلاقات بين الناس؟ ومع النخبة؟ وهكذا، بخلاف لو تناولت شخصية سياسية حاضرة اليوم، حيث يصعب أن تقدمها كما ينبغي.
• هل تلبي دراما الـ«بان آراب» الدعوة التي تنادي بها بأن تكون الدراما العربية جسراً للتواصل؟
- لم أقصد أبداً أعمال الـ«بان آراب»، لأن مثل هذه الأعمال تفقد المجتمعات خصوصيتها من خلال الدراما، والأجمل أن تقول خصوصيتك الخليجية في الدراما وتصدرها لمجتمع آخر كي يتعرف إلى بيئتك الثقافية، ومجتمعك وعاداتك وتقاليدك والمشترك فيما بينها وبينك. أما الـ«بان آراب» فهي وهم كبير جداً، إذ بت لا أفهم لماذا هذه التركيبة من الممثلين كلّ من بلد في عمل واحد، ولا أجدها حالة صحية جيدة.

مليون دولار

• لماذا لا تقدم مثل شباب الفنانين السوريين الذين يمثلون في دراما الـ«بان آراب» قصة حب، يحصدون عليها أجراً وافراً وجماهيرية، و(لايكات عبر السوشيال ميديا)، وتفضل أن تتعب نفسك وأعصابك في تقديم شخصيات صعبة مثل (الحلاج وصلاح الدين) وغيرهما؟
- صحتين على قلب من يمثلون في الـ«بان آراب». وهل عرفتم الآن لماذا أنا صامت. فالمسألة ليست أنك تستطيع أن تبني سداً أمام سيل عرم، فكيف لرجل مثلي بهذا الوزن الخفيف أن يبني سداً أمام هذا السيل؟، إذا القصة قصة خيار، فكل شخص مسؤول عن خياراته. وأنا رجل خلقت غير متهافت على المال، وبإمكاني أن أكسب كل عام أكثر بكثير من الذي يكسبه العديد من الفنانين. وفي منزلي عشرة أفلام على الطاولة اعتذرت عنها، وهذه الأفلام لو قدمتها كان اسمي في هوليوود وصل لمراحل متقدمة جداً، ومادياً كنت ستجد بحوزتي مليوناً أو مليوني دولار، لكنني لست بحاجتها، والناس القريبون مني يعرفون هذا.
• بمناسبة ذكر أولادك، ألا ترى أنك من خلال فكرك هذا حرمتهم من مليوني دولار كانت معروضة عليك؟
- صحيح أنني حرمت أولادي من ملايين الدولارات، لكن عندما عرفوا لماذا فعلت هذا، أدركوا أني على صواب وفهموا تماماً أنني محق بخياري، بل على العكس هم سعداء بهذا الخيار، فهم لا يريدون في يوم من الأيام أن يخجلوا بأبيهم. وحرمانهم من ملايين الدولارات أمن لهم شيئاً آخر في المقابل، أنهم يستطيعون أن يعتزوا بمسيرة والدهم ولا يخجلوا منها.. وهذا أمر مهم.

الاعتزال

• في لقاء لنا مع الفنان عابد فهد، بعد رمضان الماضي، لوّح لنا برغبته في الاعتزال جراء الظروف الدرامية الإنتاجية التي وصفها بالسيئة...
- (مقاطعاً): مع عابد كل الحق، لأنه ابن مهنة ومحترف ويعرف هذه المصاعب التي يتحدث عنها، وكل زملائي يعرفون. وأمام هذا الواقع إما أن تعتزل، وإما أن تمشي مع السوق. وأنا أيضاً منذ عام تقريباً كانت لديّ فعلاً نية صادقة في أن أعتزل، لكني أخشى أن أعلن الكلمة وألا أكون (قدّها).
• هل ندمت على تقديم شخصية الحلاج في المسلسل الذي حمل اسم (العاشق)؟
- أبداً، لأني أفرّق بين الثقافة الدينية والدين، وأتمنى أن يتمعن القارئ بهذه الكلمة، فالثقافة الدينية هي ليست الدين، بل هي الأساطير والخيال الشعبي والروايات المؤسطرة، سواء اتجاه القدح والذم أو التقديس.
• برأيك ما مشكلة الدراما العربية؟
- عندما نجد اليوم على خارطة المنطقة العربية هناك 200 مسلسل، كم بينها ما هو معني بأن يشتغل على قضايا جوهرية في الأمة. هل هي أربعة مسلسلات؟ لا أظن أن هناك هذا العدد، إذا نحن في حاجة إلى سياسة واستراتيجية ورؤية.
• أخيراً، كيف تنظر إلى نجوم الدراما السورية من أبناء الجيل الحالي، أمثال الفنانين: تيم حسن وباسل خياط وقصي خولي ومعتصم النهار؟
- هؤلاء الشباب هل تعلم كم أحبهم.. فأنا أعتز بهم، وبعضهم قمت بتدريسه، وباختصار هم فنانون موهوبون جداً وأتمنى لهم التوفيق.

لوتس غسان مسعود: أريد عريساً مثل أبي

يقولون: «كل فتاة بأبيها معجبة»، وهذا ما تؤكده المؤلفة لوتس مسعود، التي يجمعها بوالدها الفنان غسان مسعود حالياً عمل مسرحي من إخراجه وتأليفها بعنوان (هوى غربي) يعرض في دمشق، ويتناول نزاعاً واقعياً بين الانتماء والهواجس. وعن علاقة غسان بابنته، يقول: «علاقتنا غريبة قليلاً. فنحن عملياً نفصل ما بين علاقة الأب والبنت، إذ تسمع مني أقسى الملاحظات، لدرجة أنها تبكي أحياناً. في المقابل هي لا تجاملني. وأما على صعيد الأبوة والبنوة، فلا شك في أن لوتس هي نقطة ضعفي، وهي قرة العين، وشقفة القلب». وهنا تعلق لوتس: «بصراحة لولا والدي لما كنت حققت شيئاً في مجال الكتابة، وهو فعلاً قدّم لي الفرصتين الأولى والثانية، وأتمنى أن أكون أستحق تحيزه ودعمه لي». وعن فارس الأحلام، لا تخجل لوتس من الاعتراف بأنها تريده يشبه والدها في مبادئه وقناعاته. أما غسان، فيعلن موقفه كأب في مسألة زواج ابنته، معلقاً: «شخصيا أتمنى ألا تجد لوتس فارس أحلامها، إذ لا أتخيلها بعيدة عني، وكذلك هي مشاعر والدتها، لكن بالطبع عندما يأتي النصيب، لا بد أن نفصل ما بين سعادتها الشخصية وسعادتنا كأهل».