حين نتحدث عن الأم، تفيض الأقلام بمداد المشاعر، وتنبض القلوب بحروف التضحيات، فإن قلنا الأم هي الأمة.. نعجز عن إيفائها حقها، فهي التي وصفت بأنها نصف المجتمع، لكنها حقيقة هي المجتمع بأكمله، هي مصنع الرجال، فإن قالوا النجاح تكون هي منبعه، وإن قالوا العطاء تكون هي الظهر والسند لهم، وإن قالوا الجنان تكون عند قدميها، تعاني كثيراً وتكافح، وتتحمل مسؤولية جميع أفراد أسرتها، فتبدع ولا يتوقف إبداعها ونجاحها عند هذا الحد، لكنها تصبر مع أبنائها حتى يتموا دراستهم ثم تبدأ هي بتحقيق حلمها لتسهم في رفعة المجتمع مرة أخرى بعلمها ومعرفتها. «زهرة الخليج» وهي تحتفي بعيد الأم، تستعرض لكم قصتي (أُمّين)، قهرتا الظروف وحققتا حلميهما بالتعليم، بعد أن أدتا واجباتهما تجاه أبنائهما.

 ليست بالأمر السهل

همسة احمد يونس.. أم لخمسة أبناء تعمل في إحدى الدوائر الحكومية بإمارة الشارقة، تقول: «الأمومة ليست بالأمر السهل، فمن ترغب في أن تكون أماً عليها أن تنظم أوقاتها وتضع أبناءها وأسرتها في أولويات يومياتها»، وتشير همسة إلى أنها كانت فتاة متفوقة دراسياً، وكانت تحصل على الترتيب الأول باستمرار على مستوى إمارة عجمان طوال سنوات الدراسة ويتم تكريمها في يوم العلم في كل عام. وتضيف: «لظروفي الخاصة، كنت أعمل، لكني التحقت بالجامعة عن طريق الانتساب، ثم تزوجت أثناء السنة الدراسية الأولى من الجامعة، ورزقت بالأطفال، وكان لدعم زوجي أثر كبير في إتمامي دراستي الجامعية، لكن الظروف كانت أقوى مني، إذ بعد أن أنهيت ثلاث سنوات في مرحلة البكالوريوس تم إغلاق الجامعة، لكنني لم أيأس ولم أشعر بالإحباط، وبقيت أحلم باليوم الذي سأعود فيه إلى مقاعد الدراسة الجامعية، وهو ما حققته بعد 14 عاماً تفرغت خلالها لتربية الأولاد والاهتمام بدراستهم ومعيشتهم، وكنت برفقة والدهم داعمة لهم في دراستهم ونشاطاتهم الاجتماعية». وتشير همسة إلى أن شغفها بالدراسة لم يتوقف طيلة حياتها، موضحة: «عدت للدراسة الجامعية برفقة ابنتي الكبرى، فبدأنا معاً ندرس ونشجع بعضنا البعض، والآن أنا على مشارف السنة الأخيرة لحصولي على درجة البكالوريوس، وأتمنى ألا أقف عند هذا الحد، حيث أطمح للحصول على درجة الدكتوراه أيضاً».

تحديات الغربة

تروي رشا حسن أحمد، وهي أم لأربعة أبناء قصتها، قائلة: «تزوجت وعمري 18 عاماً وسافرت مع زوجي ليكمل دراسته في أستراليا، وهناك واجهت سنوات الغربة، عشت فيها ساعات من الألم سواء وقت الحمل أو الولادة، فضلاً عن اختلاف الجنسيات واللغات من حولي، ورزقت هناك بطفلي الأول». وتشير رشا إلى أنها لم تكن لديها خبرة التعامل مع مسؤوليات الحياة في بداية زواجها، وهو ما دفعها إلى التعلم، خاصة بعد أن عادت لأرض الإمارات، بعد حصول زوجها على شهادة البكالوريوس في الطب ورزقت بطفلتها الثانية، قبل أن يتوقف حلمها لفترة جراء إصابة ابنتها بمرض، قبل أن ترزق بطفلين آخرين، وتضيف: «على الرغم من التحديات التي قابلتها  خلال تلك الفترة، لكنني سعيدة وفخورة بما قدمته من اجل عائلتي، ففي النهاية استطعت تخطي كل العقبات والمعوقات، وحققت حلمي في إتمام دراستي الجامعية، فقد كنت أواصل الليل مع النهار لكي أتمكن من الدراسة، قبل أن يستيقظ أبنائي كي أصطحبهم إلى المدرسة وأقوم برعايتهم ومساعدتهم، خاصة خلال فترات الامتحانات الدورية، وكثيراً ما كان يصادف توقيت امتحاناتي في الوقت نفسه، لكن ما ساعدني على تجاوز تلك الفترة هو حبي الشديد لعائلتي وزوجي وأبنائي، لا سيما أن زوجي كان خير السند والرفيق، فقد كان يساعدني في تربية الأبناء والاعتناء بهم، وكان يرفق بي ولا يحملني المزيد من الأعباء المنزلية خاصة في فترة الامتحانات، وأسعى الآن إلى إتمام دراسة الماجستير والدكتوراه، حتى تفخر بي عائلتي مثلما أفخر أنا بهم، فهم النور الذي يضيء لي عتمة الحياة».

رسالة أمومة

تقول المستشارة التربوية نعيمة قاسم، مديرة مركز الشيخ محمد بن خالد الثقافي في مدينة العين، أن للأم رسالة أمومة تبدأ من رحمها ثم دفء صدرها ثم سهر عينيها، ثم تضحياتها بالوقت والجهد والرعاية، والجميع يرفعون القبعة احتراماً لها ولما تبذل من تضحيات، مضيفة: «في حياتي التربوية واجهت الكثير من الحلات لأمهات فضلن رعاية أولادهن قبل أن يلتفتن لأنفسهن، فالأم هي الإنسانة الوحيدة التي تفضل أن يكون أبناؤها أفضل منها، لذا فهي تستحق الاحترام والتقدير للدور المهم والعظيم الذي تقوم به في الحياة».