نوال نصر

ناديا تُصنف اجتماعياً امرأة سعيدة، لكن حين تجلس وحدها وتنظر في المرآة، تبدأ الأفكار السلبية تراودها. تفكر كثيراً بمستقبلها وهم ما سيأتيها غداً أو بعده. تخاف كثيراً من المجهول. تتوتر حين تلاحظ خطوطاً رفيعة بدأت تتمركز حول العينين، تقلق، يتجهم وجهها، لكن حين يقرع «غريب» منزلها تستعيد ابتسامتها العريضة، فهل هي سعيدة حقاً؟ وكم تتساءل بينها وبين نفسها: ما مفهوم السعادة؟ وهل نجاحها في العمل وفي العلاقات العامة والحياة يكفي لتكون سعيدة؟ أسئلة طالما بحثت عن أجوبة لها.

السعادة مشاعر

حتى علماء النفس قد يختلفون على شرح مفهوم «سعادة» الإنسان، بدليل أن هناك أشخاصاً لا يملكون سوى رغيف خبز، ويضحكون من قلبهم، وهناك أناس نظن أنهم يمتلكون كلّ شيء إلا الابتسامة. فهل السعادة حالة ضبابية أم لها مقومات وركائز ومفاهيم أبعد من المال والنجاح والصحة والشباب؟

السعادة، هي مشاعر محددة يشعر بها الإنسان عندما تحدث أشياء جيدة، وتحدث مع تعبير وجهي محدد يتجلى بابتسامة. وما هو ثابت، في علم النفس، أن السعادة هي انعكاس لعاطفة ما. لكن، العواطف والظروف تتغيران فهل السعادة أيضاً متغيرة؟ يستخدم علماء النفس مصطلح الرفاهية الذاتية لتمييز الظواهر المرتبطة بالسعادة عن المشاعر الظرفية، مما يعني أن تقييم السعادة الإيجابي العالمي يستند إلى طبيعة حياة الإنسان بالكامل. وفي تفسيرٍ أدق يميل الأشخاص السعداء إلى تجربة مشاعر إيجابية متكررة ومشاعر سلبية متكررة، مع فارق أن السعداء يميلون إلى تقييم هذه الظروف والأحداث والمشاعر بشكلٍ إيجابي، مما يشعرهم بالرضا حتى ولو أتت الأحداث أقل من توقعاتهم.

الكلام سهل لكن ماذا عن التطبيق؟  

أستاذ علم النفس إد داينر، أجرى أول دراسة فعلية عن السعادة تساءل فيها: هل المال يجلب السعادة أم أن السعادة قرار؟ الجواب يعتمد على تعريفنا للسعادة ونظرتنا إلى الحياة. فإذا نظرنا إلى الرضا في الحياة وأجرينا تقييماً لحياتنا نجد رابطاً قوياً بينها وبين الأجر المرتفع. المال يجلب الرضا، والرضا يجلب بعض السعادة.

طبيب الأمراض الباطنية المصري منير حمد، المقيم في الإمارات، يوافق على ما قاله إد داينر ويقول: «الصحة هي عنوان السعادة. وما يجهله كثيرون هو أن من يبتسم كثيراً ينام قرير العين ليلاً». ويضيف: «الابتسامة تجعل هرمونات السعادة ترتفع في جسم الإنسان مثل الميلوتونين وهو هرمون النوم الهانئ، وهذه الهرمونات المفيدة تعالج أمراض القلب وتنشط الهضم والجهاز المناعي وتخفف الألم، في حين أن هرمونات الحزن مثل الأدرينالين والكورتيزون تجعل الإنسان عرضة أكثر للصدمات العصبية ومشاكل القلب».

تأثيرات نفسية 

مهم جداً أن نعرف تأثيرات السعادة النفسية - الجسدية، لكن نكرر، هل يمكننا أن نتخذ القرار الشخصي بالسعادة؟ هل يكفي أن نقول إننا نريد السعادة لنُصبح سعداء؟

في علم النفس، هناك خمسة عوامل تُسهم في إرساء السعادة، وهي: (العلاقات الاجتماعية الجيدة، التكيّف، المال، المجتمع والثقافة وأسلوب التفكير الإيجابي). الناس يكونون أكثر سعادة إذا كانت علاقاتهم الاجتماعية قوية متينة. لكن، إذا توافرت كلّ عناصر السعادة، وكان المزاج يحتوي على مكوّن وراثي معيّن سيتأثر دماغه سلباً بنسبة 40%. سيقف أمام المرآة ويسأل نفسه: لماذا أشعر بالحزن؟ ثمة ما هو أقوى منا كلنا يجعلنا نشعر بالحزن لكن علينا أن نظل نحاول أن نحدّ من تأثيراته ونستعيد الابتسامة. في كل حال، الأحداث الأليمة المحيطة تؤثر في البشر، لكن يمكن لموقف الإنسان الخاص تجاهلها، وكيفية تعامله معها أن تحدد نسبة التأثر. فالإنسان الذي يرمي أخطاءه على الآخرين على سبيل المثال قد يعتقد أن العالم ضده. وهذا سيجعله غير سعيد مهما توافرت حوله عناصر السعادة.

هل يمكن اتخاذ قرار بعدم التأثر سلباً والابتسامة؟ علم النفس يؤكد إمكانية حصول هذا من خلال الودّ والصبر واكتشاف المشكلات التي يمكن حلّها داخل أنفسنا. هذا يعني أن القرار إذا اتخذ ذاتياً بالسعادة، عبر عدم التوقف عند كلّ كبيرة وصغيرة، يكون الشخص قد قطع أكثر من نصف الدرب نحو السعادة.

يوم السعادة 

هل يمكن أن يشعر المرء بالحزن حتى وهو يبتسم؟  

كثيرون قد تختلط عليهم المشاعر فيقعون في الحيرة من أنفسهم قبل أن يوقعوا فيها الآخرين. فهل هذا إشارة إلى وجود مرض ما يسمى «المكتئب - المبتسم»؟ 

الثابت في علم النفس أن الكثيرين يواجهون مشاكلهم بابتسامة، وكلما ضحكوا أكثر كان وجعهم أكبر. وفي علم النفس تأكيد أن أكثر من 80% ممن سُئلوا في الجلسات النفسية إذا كانوا يبتسمون أحياناً وهم حزينون ردوا: نعم.

 اختصاصيو علم النفس يجزمون: السعادة قريبة دائماً منا سنجدها إذا قررنا أن نكون سعداء وإيجابيين. ونحن نبحث عنها كمن يبحث عن نظاراته وهي فوق عينيه.

سعادة  «أرسطو»!

تحدث الفيلسوف اليوناني أرسطو عن أربعة أشكال من السعادة:

1 - السعادة المستمدّة من المحيط، كشراء سيارة مثلاً، وهي قصيرة العمر.

2 - السعادة المستمدة من إرضاء الذات كالفوز في مباريات أو في التفوق في امتحان أو سماع إطراء، وهذه سعادة غير مستقرة.

3 - السعادة من فعل الخير للآخرين وجعل العالم مكاناً أفضل، وهي أكثر دواماً وأعمق من سواها.

4 - السعادة في إيجاد التوازن بين المستويات الثلاثة السابقة. ويمكن أن تتعزز إذا اقترب الإنسان أكثر من الله، ووجد إجابات عن أسئلة فلسفية وكونية طالما طرحها على نفسه.

اختبار نفسي سعادتكِ بيدكِ

هل أنتِ امرأة سعيدة؟ وكم أنتِ سعيدة؟ هل تعتبرين السعادة شيئاً غامضاً يصعب التقاطه؟

أم أنك من النوع الذي يجد الفرح في تفاصيل صغيرة؟

هذا الاختبار سيُساعد من تمشي على الحافة بين السعادة واللا سعادة غير مدركة في أيّ خانة هي:

1 - حين تسمعين إحدى الزميلات تتحدث عن تفاصيل رحلة عائلية تنوي القيام بها تهمسين في سرّك:

أ - جميل أن يتشارك الزملاء ما يفرحهم.

 ب - يا لها من مزعجة تُشرك الآخرين بما لا يعنيهم.

ج - نسيتُ آخر مرة ذهبت فيها مع زوجي في عطلة.

2 - تكتشفين أن لديكِ دعوة مجانية لشخصين مساء:

أ - تتركين العمل باكراً وتتصلين بصديقتكِ بحماسة لتذهب معكِ.

ب - ترفضين ثم تقبلين لكن على مضض.

ج - تصابين بالذعر لأنك لا تحبين الدعوات في الساعات الأخيرة.

3 - تشعر إحدى صديقاتك بالتوتر بسبب مقابلة عمل في اليوم التالي:

أ - تتحمسين لها وتحمسينها.

ب - تسعين إلى تدريبها لتكون مستعدة.

ج - لا تريدين تثبيط عزيمتها لكنك تخبرينها أن الأمر سيكون صعباً.

4 - يتصلّ أحد معارفكِ القدامى لدعوتكِ إلى فنجان قهوة فتفكرين:

أ - يا لها من مفاجأة جميلة.

ب - تقولين سأحاول.

ج - تستائين بسبب قصر الإشعار.

5 - إنها الذكرى السنوية الأولى لزواجكِ:

أ - تنظمين سراً رحلة مليئة المفاجآت.

ب - ترتبين له مفاجأة لكنك تخشين ألا يحبها.

ج - تفكرين في أنه لن يتذكر التاريخ والمناسبة.

6 - بعد انتهاء العشاء مع الأصدقاء وانتظار الفاتورة:

أ - تفكرين في هذه الأمسية الجميلة وتبتسمين.

ب - تفكرين في ملاحظات مثيرة للسخرية قام بها أحدهم.

ج - تبدئي بالتوتر حول قيادتك المركبة وحيدة في الليل.

7 - يصفك الأصدقاء بأنك:

أ - سعيدة دائماً.

ب - هادئة دائماً.

ج - في عجلة من أمرك دائماً.

8 - تشعرين بالإرهاق بعد يوم عمل طويل فتفكرين:

أ - حسناً، ليست الحياة وعاء كرز.

ب - سأتخلص من كلّ شيء وأبدأ من جديد في مكان آخر.

ج - أتوقع أن تزداد الأمور سوءاً.

9 - تتطلعين دائماً:

أ - في اليوم.

ب - في الأمس.

ج - نحو الشيء الكبير المقبل.

النقاط  

 أ (3 نقاط)   ب (نقطتان)   ج (نقطة واحدة)

 نقاطك بين 20 و 27:

تنبضين بالحياة. عاطفية، وتنشدين السعادة المطلقة. تتشاركين بمشاعرك وتجاربك مع الآخرين وترفضين الروتين. لا تفكرين كثيراً بهموم قد تحصل وقد لا تحصل وتفضلين أن تستمتعي باللحظة، بالآن، باليوم، وهذا ما يجعلك أكثر سعادة من سواك. ابتسمي لأن الحياة تليق بك. 

نقاطك بين 16 و 19:

نصيحة حاولي أن تتصرفي بإيجابية أكثر، والاستمتاع بالأشياء كونكِ تتمتعين بأفكارٍ إذا عملتِ على بلورتها تصبحين أكثر سعادة. تشعرين بحنين إلى الماضي. هذا جميل لكن لا تغفلي البتة أن الماضي ليس بالضرورة أكثر سعادة من المستقبل. انظري إلى الأمام وابتسمي.

نقاطك بين 1 و 9:

يمكننا أن نحسم لك الموضوع من الآن. أنت امرأة غير سعيدة وتتأكدين من هذا، حين تراجعين عدد المرات التي تستخدمين فيها عبارات: يجب ألا أنسى وماذا لو وليس هناك وقت وماذا لو نسي. تحاولين دائماً توقع ما قد يحدث، وهذا يتطلب منك طاقة استثنائية تجعلك لا تشعرين بفرح المفاجآت. السعادة في مفهومك صعبة، لأنها تتطلب منك التمهل قليلاً إذا أردتِ تذوّق الحياة. ولعلّ رغبتك في تجنب أي مشاكل قبل حدوثها، تجعلك مهووسة بالتحكم في كل شيء. نصيحة، ابتسمي أكثر واستبدلي عبارة: ما الذي يمكن أن يحدث؟ بعبارة: سأرى ما سيحدث؟