بيتُهُ في قلبِ منطقة الحمراء في بيروت، وفي قلبِ البيت كلّ ما يُتحفُ النظر من أشياءٍ تشي بأننا دخلنا منزل فنان. رسومات رائعة معلقة، فيها وجوه بهلوانية، كما وجه المهرج (كلون)، وأشياء كثيرة نكتشف حين نجمع ما بينها أننا أمام قصة في لوحة. فما قصّة هذا الرسام اللبناني؟، نسأله فيجيب: قصتي أنني درست الهندسة وعملت فيها مبقياً على الرسم هواية، لكني اكتشفت قبل أعوام أن الفن شغفي لا هوايتي فقط، فاخترت ألا أقضي حياتي بعيداً عن (روحي) فتركت المهنة التي نجحت فيها كثيراً لكن فيها تجارة أكثر من شغف وهرولتُ وراء شغفي في الرسم. 

غازي باكر فنانٌ تشكيليّ لبناني علّم نفسه بنفسِهِ، وحلّق في عالمِ الرسمِ الساخر من الأشياء والأحداث بألوانٍ وخطوطٍ مفككة، تاركاً للناظرِ أن يرى، بالعينين والقلب والإحساس، قصصا وحالات.

«زهرة الخليج» زارت باكر في مرسمه، ورأت كيف يغوص وسط رسوماته المتماوجة بألوان قوس قزح وما وراء الرسم واللون.

• الرسامُ الشغوف يتأثر بالمحيط، ولبنان الذي يعاني منذ أشهر لا بُدّ أن يكون قد أثر فيك. ماذا يفعل فيك الوجع عموماً؟ 

- يعجن الوجع الفنان عموماً. في كل حال أنا مهندس معماري ولي مكتبي الهندسي الخاص وكنتُ أرسم لنفسي لا للآخرين، لكن، في آخر ثلاثة أعوام، بتّ أكثف من رسوماتي وأبيعها وأصبحت الهواية تتغلب على المهنة. رفضتُ أن أبقى في مهنة فيها (بيزنس) أكثر من الهندسة وأنا الذي يُحب الهندسة لا البيزنس، والتصقت أكثر في عالم الفن والرسم. وما نعيشه اليوم في لبنان شعرت به كفنان منذ زمن. الفنان حساس ويرى أبعد من سواه. وعبّرت بلوحاتٍ تحكي عن الغضب والحبّ ورسمت العلم اللبناني مرات. رسمتُ الأرزة وهي تبكي. 

 معنى استثنائي

• لوحاتُكِ ذات خصائص لافتة، كثير من الألوان والأدوات والتقطيعات والوجوه الساخرة، بمن تأثرت؟

- لا أعرف. كما سبق وقلت أنا مهندس معماري، وعلّمت نفسي بنفسي الرسم. وأعتقد أن الرسم ما عاد في زماننا يُعلّم. في الجامعة، يعلموننا خلط الألوان والرسم بالزيت والأكليريك وسواهما والتكتيك، أما الأفكار والأبعاد والمعنى وسبل التعبير فنتعلمه وحدنا. هناك من قد يعلمنا كيف نرسم أجمل لوحة تحاكي الطبيعة، لكن هناك عدسات تصوير باتت قادرة على أن تأخذ أكثر من عشرة آلاف صورة مذهلة للطبيعة في ثوانٍ. لهذا ما عاد لرسومات الصوّر معنى استثنائي، لهذا نرى الآن الاتجاه بات إلى ما تقوله اللوحة وما تعبّر عنه وما يتعدى الإطار أمامنا.

• هل علينا أن نفهم أنك لم تتأثر سوى بأحاسيسك في لوحاتك، التي تبدو لوهلة أولى معقدة بعض الشيء؟

- أحياناً، وأنا أشاهد فيلما سينمائيا أو أقرأ خبراً ألتقط ما يؤلم الرأس فأسارع إلى ترجمته في لوحة. وهناك، بالفعل، زحمة في لوحاتي وصورا مفككة وهذا ما علمتني إياه الهندسة المعمارية، حيث يفترض تقطيع الأشياء لشرحِها في شكلٍ أفضل. فاللوحة مثل الكتاب الذي إذا شرحناه صفحة صفحة يسهل فهمه، أكثر على أن نقدمه في الآخر واحداً. هذه القاعدة، قاعدة تفكيك الأشياء، تطبق هندسياً قبل إعادة جمعها في تصميم واحد. ولوحاتي تضم عناصر كثيرة وخطوطاً سوداء بارزة وتبدو للناظر مقطعة لكن حين يغوص في أبعادها يدرك قصة واضحة ورسالة. 

• هل تحتفظ لنفسِك بلوحاتٍ معينة؟

- لم أستطع أن أحتفظ بأي لوحة وهذا ما أعتبره خطأ، في حين هناك من يهمس في أذني من أصدقائي ألا أحزن، لأن الرسام الذي ما زال يمارس شغفه قادر على أن يعود ويصنع لوحات يُغرم بها.

عناوين قاسية 

• قرأت في عناوين معارضك ما هو قاسٍ بعض الشيء مثل: ذنوب وآفات وتردٍّ.. هل تعمل على عكس سوداوية معينة؟

- العناوين قاسية لأن الرسائل في بعض الرسومات قاسية وحقيقية. أحاول دائما أن أقول شيئاً ما بطريقة ملونة. ومن مبادئي أن الإنسان، الفنان وغير الفنان، قادر على أن يشتم من دون ألفاظ نابية وقادر على أن يمدح من دون أن (ينفخ) شخصاً ما. وليس ضرورياً أن نطرد شخصاً ما لنقول له: نكرهك. يمكن قول كل هذا بجملة غير مباشرة وبرسم ملون جميل. 

الحب والموت

• تطرقت للحب في لوحاتك، فكيف رسمته؟ 

- رسمت خمس لوحات تحكي عن الحبّ وفيها فرح كثير. واستخدمت فيها كثيراً من الألوان. أحب أن أستخدم أحياناً ألواناً عكس الموضوع. رسمت لوحة حبّ سوداء. وليس ضرورياً أن أرسم الحبّ دائماً بطريقة إيجابية. 

• هل رسم السلام الذي يرتجيه كثيرون أسهل؟

- كلمة السلام باتت مستهلكة، كثيرون تناولوا السلام ونشدوه في فنونهم. بابلو بيكاسو رسم حمامة السلام البيضاء. والرسام سلفادور دالي عكس السلام والحرب. أنا أعتبر أن السلام يجب أن يُعمل له جدياً لا أن يبقى رسماً في لوحة.