زميل رائع عملت معه فترة قصيرة في شركة قانونية، واستمر الـ«ألو» بيننا بعد مغادرتي المكان غير مأسوف عليّ.
اتصل يوماً وقال إنه ترك العمل أيضاً، وأضاف بشكل مفاجئ أن لحمه مُرّ، فسألته بإشفاق إن كان قد تعرض لمحاولة عضّ من المدير، فقال ضاحكاً إنها كناية عن حبائله القانونية، حيث إنه «جرجر» الشركة إلى المحكمة العمالية.
بقي الزميل الرائع يطلعني على المستجدات: دخلت عليهم بترسانة من القوانين! باغتهم بهجوم من اليمين وقد حسبوا أنني آتيهم من الشمال! قدمت هذا المستند دحضاً لذلك المستند! رفضت عرض التسوية! ألزمت المدير بأداء اليمين أمام القاضي!
بعد فترة زفّ لي خبر فوزه، وقال إنه «بهدل» الشركة أيما «بهدلة»، وفي نهاية الاتصال عرض نفسه للتوظيف لديّ، فقد أسسّت خلال فترة معركته عملاً مشابهاً خاصاً بي. ولأنه لا مفر من التكاذب بين البشر ليتمكنوا من العيش معاً، فقد رحت أمتدح مؤهلات الزميل الرائع، وأقول له إنه قيمة مضافة، ووعدته خيراً.
بعد إنهاء الاتصال استحضرت الزميل الرائع في خيالي وقرصته من أذنه موبخاً: هل تعتقد أنني غبي إلى درجة توظيف شخص مثلك «لحمه مُرّ»، أقام دعوى ضد شركة عمل بها، وأدخلها في لعبة متاهات، و«بهدلها» ذات اليمين وذات الشمال. في اليوم التالي اختلقت عذراً لا يمكنه المجادلة بشأنه وأرسلته إلى هاتفه، قطع بعدها تواصله معي.
وها هي فتاة جميلة في مقابلة توظيف يسألها المدير المسؤول: لنتكلم بصراحة، وبعيداً عن الدوافع التقليدية، كالطموح نحو الأفضل، وخوض تجربة جديدة، وقبول التحدي، وتحقيق الذات.. ما السبب الحقيقي وراء ترك وظيفتك السابقة وتقدمك للعمل لدينا؟
واعتقدت الأخت الرائعة أن الأوان قد حان لتقول الحقيقة الغائبة عن البشرية، فأسندت ظهرها إلى المقعد ووضعت رجلاً على رجل: بصراحة، المدير السابق كان متحكماً ولا يفهم، وقد لقنته درساً قبل مغادرتي، وشكوته هنا وهناك، وحذرت الجميع منه.
وبطبيعة الحال، أبدى المدير «الجديد» تعاطفه وأيدها في الإجراءات التي اتخذتها ضد المدير السابق، وما إن غابت خلف الباب تنفس الصعداء وألقى بأوراقها في سلة المهملات.