سياسيون، فنانون، أدباء، خلدت رسائلهم إلى حبيباتهم، على أوراق عصية على التشقق بفعل عوامل قدم التاريخ، كما كان حبهم الثابت، العصي، في أغلبه، على الفراق.. قد يخيل للشخص العادي، وهو يقرأ أمجاد بطولات أحد الذين قطعوا الدنيا شرقاً وغرباً للوصول إلى القمة التي رسمتها أحلامهم وأحلام شعوبهم، أنه أبعد من أن ينشغل قلبه بأمرٍ آخر، ولكن الرسائل كشفت عن عكس هذا، إذ إن بعضهم كانت قلوبهم تخفق باسم من يحبون في أرض المعركة، كما كان يفعل عنترة العبسي الذي قال: «فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها.. لمعت كبارق ثغرك المتبسم»، وليس كالشعر رسائل أولى وصلت إلينا لتخبرنا عن أن الحب لا يعرف رتبةً عسكريةً، ولا مكانةً اجتماعية معينة، فهو أرق من يستطيع أن يدخل من ثقب الباب الصغير للقلوب جميعاً.

من نابليون إلى جوزفين

«لم يمر يوم من دون أن أحبك، ولا ليلة من دون أن أحضنك بين ذراعيّ، ولا تناولت فنجان شاي من دون أن ألعن المجد والطموح اللذين أبعداني عن روح حياتي. وفي وسط انشغالاتي، وأنا على رأس القوات، وأتجول في أرض المعركة، لا أفكر إلا في محبوبتي (جوزفين) الوحيدة في قلبي، التي تشغل روحي وتستحوذ على أفكاري».. هذه واحدة من رسائل القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت إلى حبيبته التي هجرها فيما بعد، جوزفين، سالكاً في حبه مسلك عنترة العبسي، وآخذاً ذكر حبيبته معه إلى غبار الخيول، ولمع البنادق.

من بيتهوفن إلى المحبوبة الخالدة

بيتهوفن، الملحن الألماني العظيم، الذي شغل الدنيا والناس بألحانه الفريدة، ومقطوعاته التي صارت أسطورة في عالم الموسيقى، لم تكن أصابع البيانو حبيبته الوحيدة، إذ عثر على رسالة له، مكتوبة بالقلم الرصاص، من دون أن يضع عليها اسم الطرف الآخر، فقط يوجهها إلى ما سماه «محبوبتي الخالدة» أو «حبيبتي إلى الأبد»، وقد تم نشرها في كتاب «سيرة حياة بيتهوفن» التي كتبها أنطون شندلر، وصدرت عام 1840. لم يتعرف أحد إلى هوية المرسل إليها حتى اليوم، وقد وجدت ضمن الأوراق التي تركها بيتهوفن خلفه، شاغلاً بها الناس، كما شغلهم بموسيقاه. مما يقول فيها: «اهدئي يا روحي، يا حبي، ليس علينا سوى مراقبة وجودنا بسكينة، حتى نستطيع الوصول إلى النهاية معاً».

من كيتس إلى فاني

هو أحد كبار الشعراء الإنجليز الرومانسيين في القرن التاسع عشر، جون كيتس، والمتوفى سنة 1821، كانت ملهمته على مدى سنوات، حبيبته التي جمعته بها الجيرة، قبل أن تصبح خطيبته حتى الموت، فاني براون. رسائله لها من أشهر رسائل الحب المكتوبة على مر العصور، حتى أطفأ بريقها موته المفاجئ بالسل، بعد ثلاث سنوات من خطوبتهما. يقول في إحداها: «فتاتي العزيزة، في هذه اللحظة، يتوجب عليّ الجلوس لنسخ بعض أبيات الشعر، لكنني لا أستطيع مواصلة الكتابة، فلا بدّ من أن أكتب لك سطراً، أو اثنين، لأرى إذا ما كان ذلك سيساعدني على طردك من ذهني، حتى ولو لفترة قصيرة. يا إلهي، لا أستطيع أن أفكر في أي شيء آخر، فلقد جعلني حبك أنانياً، فأنا لا أستطيع أن أشعر بوجودي من دونك». وقد تم تجسيد قصتهما في فيلم سينمائي بعنوان Bright Star.
وليست الكلمات هي الرسائل الوحيدة التي خلدها التاريخ للذين اعتنقت قلوبهم مذاهب الحب السامية، وهاموا في فراديسه، ما بين لذة اللقاء، ولوعة الفراق، بل هناك رسائل جاءت على أشكال أكبر، ولم تزل تقف على أساساتها، تروي قصة الحب الخالدة، كقصر تاج محل بالهند، أو غيبها الهدم، وبقيت في ذاكرة الأجيال، وأذهان الكتب، مثل حدائق بابل المعلقة. فكما أن المشاعر لها أكثر من شكل، كذلك التعبير عنها ينحى إلى أكثر من طريقة، وليس كالحب قوة تبعث على تخليدها.

من فرانسوا إلى آن

فرانسوا ميتران، رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، وأحد أهم شخصياتها السياسية في القرن العشرين، وكان قد شغل العديد من المناصب الوزارية، منذ فترة الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا لم يمنع قلبه من أن ينبض لغير هذه المنابر. أحب عام 1962 فتاة تدعى «آن بينجو»، وبعث لها على مدى أكثر من 30 عاماً رسائل حب عديدة، بلغ عددها أكثر من 1200 رسالة، تم نشرها منذ أعوام في كتاب بعنوان «رسائل إلى آن». يقول في إحدى الرسائل : «للمرة الأولى، أخرج من ذاتي»، وفي أخرى «لو أخذت، ذات يوم، الطريق المؤدي إليّ فإن الموت وحده سينزعني عنك»، وفي ثالثة: «حبّنا يعطي شعوراً بالأبديّة».