ما زال بإمكانك التعرف إلى جسدك أكثر، من خلال زيارة «متحف الجسد» في جامعة خليفة بأبوظبي، والذي يستمر حتى مارس المقبل. هي فرصة للحصول على معرفة طبية، تفيدك في اتباع نظام صحي يجعل حياتك أفضل. النظر دائماً تنظر إلى الخارج، ماذا لو منحت لنا إمكانية أن تقلب نظرتها إلى الداخل؟ هذا أصبح ممكناً مع فكرة متحف الجسد العالمي الفريدة.

التجول تحت جلدك

يمنحك المعرض القدرة على تخيل نفسك كائناً صغيراً جداً، كتلك الكائنات التي كنا نراها في الرسوم المتحركة في طفولتنا، فتتجول تحت جلد جسم آخر، تنظر إلى أعصابه كيف تلتف، وكيف يبدو شكلها خارج الجسد، ولونها الأحمر الذي يجذب إليه الأنظار رغماً عنها، أو تذهب إلى أعلى الرأس، فتدخل في التفافات المخ، وطرقه الملتوية، والمكونة بهندسة رائعة ومعجزة، أو تنزل قليلاً، فتتوجه إلى الوجه وعضلاته، باختلاف تشكلها طبقاً للحالة التي يمر بها صاحب الجسد، من رسّام، أو حارس مرمى، أو مفكّر، أو لاعبة سيرك. أو تدخل إلى قفصك الصدري، من دون أن يكون للعظام وجود، فتسلك طريقاً سلساً إلى المضغة التي تضخ الدم إلى الشرايين، القلب، فتتأمل حجمه، وأجزاءه الصغيرة، وتفكر بكم المشاعر التي دخلت إليه، وكم الشعلات التي بدأها في حياة صاحبه.

المعرض العالمي للجسد

معرض الجسد، هو معرض متنقل، كان أول ظهور له في طوكيو عام 1995، ثم تمت استضافته في أكثر من 50 متحف ومعرض، بأكثر من 140 مدينة في أميركا الشمالية، وأوروبا وآسيا، مستقطباً منذ بداياته أكثر من 48 مليون زائر. أسس المتحف كل من: الدكتورة أنجيلينا ويلي المشرفة عليه، وعالم التلدين الدكتور جونثر فون هاجنز، مضيفين إلى عالم الطب بعداً تعليمياً معرفياً جديداً، من خلال تقريب المجهر إلى أعضاء الجسم، والاطلاع على وظائفها بشكل أكبر، وتسليط الضوء على أعراض تأثرها بالأنماط الصحية وغير الصحية في حياة صاحبها. ويهدفان من خلال المتحف إلى تعزيز مفهوم الصحة والحياة لدى الإنسان، وإظهار إمكانيات وقدرات الجسم، سواءً البشري أو الحيواني.

في جامعة خليفة

تأسس متحف الجسد في جامعة خليفة بتوجيه من المجلس الاستشاري فيها كجزء من كلية الطب والعلوم الصحية عام 2019. إذ سيجد زائره مزيجاً من علوم الطب، والكلام الشاعري الذي يشرحه، وسيرى ما تحت الجلود من عجائب الخلق للجسد البشري، حيث تقف الأجساد الكاملة، التي تم الاحتفاظ بها من دون جلدها من خلال عملية التلدين، التي يتم شرحها لرواد المتحف في بداية دخوله، بفيديو قصير.

مكونات المتحف

في المتحف عينات حقيقية من جسم الإنسان، أجساد كاملة تعرضت لعملية التلدين، بالإضافة إلى أعضاء منفصلة وأوعية دموية وشرائح جسدية شفافة. إلى جانب توفير رؤية شاملة لعلم التشريح وعلم وظائف الجسم، ووصف سهل للأمراض التي تصيب الجسم، من خلال عرض مقارنة مرئية بين الأعضاء السليمة، والأخرى التي تعرضت لعلّة. كما يبين المتحف أثر الأمراض على المدى البعيد، والآثار السلبية للإدمان على الكحول والتبغ، فترى مثلاً رئة صحية، إلى جانب أخرى استهلكها شخص مدخن، للتأكيد على أهمية اتباع النظام الصحي لنمط حياة أفضل.

ما التلدين؟

التلدين هو عملية حفظ عينات الأجساد لأغراض طبية، ويتم على مراحل، أولاها التثبيت والتشريح، حيث تم ضخ مادة الفورمالديهايد، أو أي محلول كيميائي، داخل الشرايين لقتل البكتيريا ووقف تحلل الأنسجة. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التشريح، وفيها يتم التخلص من الجلد، وكل الأنسجة الدهنية، وهذه العملية تستغرق بين 500 و1000 ساعة عمل. بعد هذه العملية، تتم إذابة جميع الدهون الذائبة والماء داخل الجسم، من خلال وضعه في حمام الأسيتون، حيث يتخلص الجسد من كل المواد المائعة، بعدها تأتي عملية الإشباع، إذ توضع العينة في حمام من البوليمر السائل، كالمطاط السيليكون والبوليستر، ليملأ كل خلية في العينة، وتستمر هذه العملية من 2 إلى 5 أسابيع. وبعد هذه العملية تصبح العينة مرنة يسهل تشكيلها، والتحكم فيها باستخدام الأسلاك والإبر والمشابك. وفي المرحلة الأخيرة تقسّى العينة باستخدام الغاز والضوء والحرارة، وهذه العملية تحمي العينة من التحلل والتعفن.

التشريح والتلدين لجسد كامل، يتطلب ما يقارب 1500 ساعة عمل، وعادة ما يستمر نحو سنة لإكماله.