تروي القصة: أماني حسين

على مر العصور والأزمان كانت المرأة ضلع الرجل الناقص، لا يكتمل إلا بها، يفتقد وجودها حوله، تؤازره حيناً وتصنع مجده أحياناً، تتوارى فلا يكاد يذكر التاريخ اسمها، ولكن بطولات وأمجاد من ساندتهم تعلنها صريحة. تاريخنا اليوم يحمل بصمة أنثى هي الفاعلة وهي الحدث، مجرد ضوء صغير لمن كن سبباً في تغيير صفحات من تاريخ الإنسانية حتى لو لم يذكرهن التاريخ أو طواهن النسيان، فقد بقيت عدة صفحات لم يستطع محوها، فهو تاريخ كتبته أنثى.

وأخيراً لحقت روزا بالحافلة التي تركتها مراراً بسبب اكتمال العدد، ولحظّها السعيد كان هناك أحد المقاعد شاغراً، تنهدت الصعداء بعد يوم حافل بالعمل لم تكن تقوى على الوقوف حتى نهاية الرحلة، فمنزلها يقع على الطرف الآخر من المدينة، مما يعنى وقوفها لأكثر من ساعة، فبعد عناء تسع ساعات كاملة أمام ماكينات الحياكة بالمصنع كان هذا مستحيلاً.

تجاهلت روز نظرة الراكب أمامها إليها باحتقار، لأنه ينتظر أن تقوم ليجلس هو مكانها. تتعجبون؟! ولمَ العجب، فهي امرأة سوداء ونحن في عام 1955، والرجل أبيض البشرة، والقانون ينص على أن يترك السود مقاعدهم لصاحبي البشرة البيضاء وكثيراً ما كان سائقو الحافلات يغلقون الباب بعد أن يركب البيض فقط. لكن نتيجة لإصرارها على عدم التخلي عن مقعدها، وعصيانها الأوامر، هاج الركاب وتم إيقاف الحافلة دقائق ووصل رجال الشرطة وألقي القبض عليها. قُدمت للمحاكمة التي استمرت 381 يوماً قادت فيها عصياناً مدنياً من محبسها، طالبت فيه السود بتغيير وجهة نظر المجتمع لهم وإظهار صورة حضارية. كانت رسائلها رغم نعومتها، قوتها عقلانية لأبعد الحدود، اشتعلت البلاد ودخلت مرحلة الخطر، فالسود امتنعوا عن العمل في مصانع ومزارع البيض، امتنعوا عن ركوب المواصلات العامة، امتنعوا حتى عن شراء أساسياتهم من محلات يملكها البيض واكتفوا بما لديهم من موارد قليلة، فاضطر القاضي قي النهاية إلى إصدار قراره ببطلان قانون أولوية البيض واعتبار المواطن الأسود مساوياً له في الحقوق العامة.

إنها روزا باركس عاملة الحياكة، التي لم تتخيل أن قوتها يمكن أن تغير قانوناً لأقوى دولة في العالم ونظام استمر عهوداً.. يوم تاريخي وامرأة استثنائية حولت حافلة إلى رمز وحملت هي أرفع الأوسمة الأميركية. «ظللت أفكر في أمي وأجدادي وكيف كانوا أقوياء جسدياً ومع ذلك ظلوا في الإهانة، وأدركت أن الإهانة شيء سهل، ولكن القوة الهادئة أعطت الفرصة لشيء عظيم يحدث.. شيء غيرني وغير من حولى لعالم أفضل».

كتاب روزا باركس «القوة الهادئة» يعد من أقوى وأول الكتب التي تحدثت عن العصيان المدني، عصيان لا يتحكم فيه الغضب ولا يحركه التعصب، بل يسيطر عليه العقل للحصول على حق من دون خسائر تذكر.