من منا يُحب أن يحدق الآخرون في وجهه وهو نائم؟ 

النائم لا يعرف عن وجهه شيئاً، لا يدرك المتعة السرية الخاصة لدى المتطفلين على وجهه، متطفل يتملّكه هوس التحديق في الفضاءات السرية للنوم.

وجه نائم أتذكره جيداً، كان كإجابة للعلامات الكثيرة في الكون، وفق وميض لغة أثيرية وإيماءات لا مرئية مأمورة بالاختراق، كأن وجهه خاص بي، خاص بمعجمي، وجه لم ولن يراه أحد في الوجود سواي، قادم من التسامي الصوفي، ملغز وبريء، غزير وغائر، وجه مفرط في الوحدة.

بعض الأحلام تطفح على وجه النائم وتدعو للعجب حيال ما يجري في ذهنه، وإن غالت في إيماءاتها الرمزية. نكون أحراراً في النوم، والأحلام دواليل غنية بالدلالات، وحين نتفرّس بحذر وحكمة وحيادية وجه شخص نائم، قد نتمكن في أحسن الأحوال من الوصول إلى الحيوات العميقة والارتعاشات الذهنية له. وليس مشروطاً في مهمة تفسير الأحلام وتوصيف الرؤى، أن يروي الحالم عن حلمه كما هو مألوف، فقد يحدث أن يروي وجهه حكاية ما، وهو في غمرة صمته داخل كهف الحلم.

وجه النائم حقل كبير للكشف والتفرّس والتشكيل، روحه تتوهج في عالم موازٍ آخر، يشعر فيه بالطيفية الطفولية، والضبابية السرديّة الخاصة بحياة نورانية بعيدة. فكره الخلاق يبتدع أحد أقدم الأشكال التعبيرية، والرسائل والملاحم، وأحداثاً دراماتيكية مكتوبة بلغة واحدة، اللغة الرمزية. فسرديات الأحلام متحررة من المنطق، مرتكزة على كون الرمز واقعاً خارج ذات الحالم، لكن المرموز إليه واقع داخل ذاته، وحين يستيقظ المنطق يكاد لا يتذكر شيئاً مما رأى إلا ما تيسّر من الرموز. 

أتذكّر فرناندو بيسوا حين تساءل في كتابه اللا طمأنينة عن إمكانية تمكّنه من ربط أحلامه ببعضها البعض وجعلها حياة دائمة مستمرة من أيام كاملة مليئة بصحبة أشخاص وهميين، حيث يستطيع وقتها أن يعيش ويستمتع ويعاني، وأحياناً يصيبه سوء الحظ، ويعيش أفراحاً عظيمة لا يمكنه التعبير عنها. ولا شيء من ذلك يكون حقيقياً، فكل ذلك يحدث في مدينة مشيّدة في الأحلام، ولكنها مدينة تنبض بالحياة والواقعية.

لقد كان الحالم على ضفة مطلة على الأبدية، لكنه سرعان ما نسيها في اليقظة، فاللا وعي عندئذ بمثابة الدخيل المتطفل، بمثابة العنصر الشبحي أو الطيفي الذي يصعب التقاطه ويصعب تذكره.