اكتشفت موهبتها في التصميم منذ عامين، وبدأت العمل والإنتاج ونجحت خلالهما في أن تكسب جمهوراً ومعجبين، فأنشأت لها صفحة تسويقية على «الفيسبوك»، لتكون أول فتاة سودانية مصابة بمتلازمة داون تستطيع أن تنشئ عملاً خاصاً بها. إنها الشابة تقوى محمود في العشرينات من عمرها، شقت طريقها بإجادتها حرفة يدوية ألا وهي تصميم الحلي والاكسسوارات بمواد مختلفة. التقتها «زهرة الخليج» بأم درمان بصحبة والدها، وأجرت معها الحوار التالي:

ولدت تقوى في عام 1993 بأبوظبى، حيث كان يعمل والدها، ترتيبها الثالث في الأسرة، والتحقت بمدرسة للحالات الخاصة، حيث ينحصر التعليم كما هو معروف على أداء الأعمال اليومية والقراءة والكتابة، وتعلمت اللغة الإنجليزية وتقرأ القرآن وتحفظ  الكثير من السور، وبعدها التحقت بمعهد  للحالات الخاصة، ثم واصلت تعلمها بالمدرسة العربية الخاصة، حيث تلقت دورات مكثفة في التركيز والذاكرة من د.سلوى صيام حتى عام 2008 حين عادت أسرتها للسودان، وهناك التحقت بمركز لتأهيل الإناث ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو معهد قريب من سكنها وتعلّمت فيه تصميم الحلي والأكسسوارات، وشجعها المعلّمون على السير في هذا الطريق عندما أعجبوا بدقة أعمالها وتناسق ألوانها، فبدأت بتصميم الحلي منذ عامين بصورة جادة وأقامت أربعة معارض لمنتجاتها، والتي وجدت قبولاً من المعارف والجمهور .

 رسالة في المجتمع

وعن صفحتها على «الفيسبوك» تقول تقوى: «التقاني في أحد المعارض صاحب مؤسسة (بايونير) غير الربحية التي تدعم الموهوبين الشباب، وعرض عليّ فكرة إنشاء صفحة بالفيسبوك للتعريف بنفسى وتسويق منتجاتي، والحمد لله بعد تأسيس الصفحة التي يشرف عليها والدي، شعرت بانفتاح أكبر على المجتمع وشجعني لتنمية الموهبة».  

وهنا علّق والدها  قائلاً: «في زمن وجيز من نشر الصفحة وصلت أرقام الإعجاب إلى الآلاف وبها عشرات التعليقات المشجعة واتصالات هاتفية تعلن إعجابها بتلك الموهبة، بل واتصالات من آباء وأمهات لديهم أبناء وبنات يعانون تلك المتلازمة شكلّت لهم تقوى دافعاً لمواصلة تعليمهم واكتشاف قدراتهم ومواهبهم، فشعرت حينها بأن لتقوى رسالة مهمة في المجتمع».

 دور الأسرة

تلعب أسرة  تقوى  دوراً كبيراً في دعمها، حيث تقول عن ذلك: «أجد تشجيعاً من أختي الصغرى وتقوم بتصوير منتجاتي وعرضها على الصفحة». ويضيف والدها قائلاً: «تحرص والدتها على دراسة ومعرفة كل جديد وتسعى لحضور المحاضرات وقراءة الدراسات الحديثة التي تتناول أصحاب متلازمة داون وطرق التعامل معهم ودورها كبير في رعاية موهبة تقوى».

وعلّق والدها قائلاً: «من المدهش أن تقوى تتمتع بذاكرة قوية فهي تحفظ أسماء كل من تلتقيهم، ولذا نجدها  تحفظ كل ما تشاهده من تصاميم وأعمال وتسارع لتنفيذها ولها تصميماتها الخاصة التي سنقوم بتسجيلها في الملكية الفكرية، وغير صناعة الاكسسوارات تجيد تقوى فن الكروشيه والتطريز، ونحن في الأسرة نراعى ذوقها الخاص ومزاجيتها فى العمل، فقد تبتكر يوماً عدة قطع  ويوما آخر تكون بلا إنتاج مكتفية بمشاهدة التلفزيون أو المكوث بساعات أمام (التابلت)». 

السعادة بالمعجبين 

عن طريقة اختيارها للخامات توضح تقوى «أقوم بذلك بنفسى حيث أشتريها من السوق يرافقني والدي وأختار كل شيء بدقة فلديّ تصورات مسبقة عما أودّ إنتاجه، وأفضل الخامات اللامعة، وأبيعها بسعر زهيد فلا أربح الكثير ولكن شعوري بالسعادة أن أرى الناس يعجبون بمنتجاتي ويشترونها ويلبسونها».

ويوجه والد تقوى رسالة لكل الآباء لمن لديهم أبناء يعانون تلك المتلازمة بأن يدعموهم بكل السبل لمعرفة مكامن قدراتهم الإبداعية الخاصة وتطويرها لينخرطوا في المجتمع ويشعروا بالثقة أسوة بغيرهم من الأبناء.

صرخة في وادي الإنسانية

قبل أكثر من ثلاثة عقود نشرت رواية عن قصة حقيقية بطلها طفل (له متلازمة داون) كان مهملاً في فناء البيت الخلفي لخوف أسرته من أن يراه الناس، مربوطاً بحبل ويرمى إليه الطعام والشراب، لا يجد عطفاً ورفقة إلا من كلب البيت، ألقت تلك الرواية التي كانت بعنوان «صرخة في وادي الإنسانية» للدكتور فيصل مكي الضوء على معاملة المجتمع للأطفال والكبار المصابين بتلك المتلازمة، حيث كانوا يلقون معاملة متشابهة من تجاهل وإهمال وحبس منفرد، وفى أحسن الأحوال ينادونهم «بالمبروكين»، حيث يستجديهم بعض الناس الأدعية في الطرقات، فهم أحباب الله المقرّبين.  كان لتلك الرواية «الصرخة» الأثر البالغ في المجتمع السوداني للالتفات إلى تلك الفئة، حيث بدأ إنشاء مدارس ومعاهد خاصة تتولى رعايتهم وليتعلموا الاعتماد على أنفسهم وتعليمهم الكتابة والقراءة وطرق دمجهم فى المجتمع.