كانت تسير بهدوء وهي شاردة، تخترق نظراتها الفضاء الواسع أمامها، وهذه إحدى زميلاتها تسير خلفها بخطى متسارعة بقصد مناداتها لتناول بعض الأكلات الشعبية التي تحب، مع الزميلات الأخريات. قامت زميلتها بوضع أطراف أصابعها على كتفها وهي تناديها باسمها، وإذا بها تقفز قفزة الخائف والمتفاجئ ووضعت يديها كغطاء للرأس لتحميه من هجمة غير متوقعة قد تصيبها برأسها وتؤلمها، ابتعدت زميلتها محرجة وهي تعتذر لأنها لا تقصد إخافتها. وإذا بها تجلس ككتلة ثقيلة سقطت من علٍ وبدأت بالبكاء، بكت حتى الانهيار. تركت لها زميلتها الوقت والمساحة الكافيين لتلملم وجعها ولتعبر عن ألمها وتتنفس الراحة. وجلست بالقرب منها من دون أن تتفوه بكلمة، ويخالجها شعور بأن زميلتها خائفة ومحرجة، ولا شك في أنها تعاني مشكلة ما، فكل ما حدث غير طبيعي لأن الموقف حقيقة لا يستحق هذا البكاء، ولكنه تعبير عن ألم كبير تفجر في هذا الوقت تحديداً. كل شخص معرض لأن يتألم والأسباب متعددة وإذا لم نعش هذا الألم ونحدده ونواجه الأسباب التي وراءه سيستمر في تعميق المشكلة وستكون هناك آثار عميقة وطويلة الأمد، ومعظم الدراسات تتفق في أن الألم المهمل يجعل الشخص يعاني المشاكل العقلية والصحية، وعادة لديه مشكلة ذاتية واجتماعية. 

ضحية أفكارهم

وبالعودة لتلك المرأة، فحركة تغطية رأسها كأنها تحميه من ضربة مفاجئة ومؤلمة دليل على خبرة لديها ومتكررة، لذا قامت بها وهي شاردة، فقد لجأت لتلك الزميلة للحديث إليها عما تعانيه ولتبرر ردود فعلها غير المنطقية، وبدأت مباشرة بالحديث عن تعرضها لأنواع مختلفة من العنف من قبل زوجها الذي غالباً ما يتنمر عليها وكأنه «بلطجي» ويعتدي عليها بالضرب والسب والاستهزاء، ووصفته بمتقلب المزاج وإنها ضحيته لسنوات، وقالت: «أنا السبب فمحاولتي لحماية نفسي والسكوت عما يحدث سلباني قوتي وتعرضت لمزيد من الأذى وبدأت بدفن مشاعري بدل مواجهتها حتى أصبحت أخجل من نفسي وألومها وأبرر كل سلوكياته وتصرفاته العنيفة بسبب استفزازي له في كثير من الأحيان»، وبالصدفة كنت أتابع إحدى الأخصائيات النفسيات تتحدث عن العنف الأسري وبالذات العنف بين الأزواج وإذا بإحدى الفنانات المشهورات تصف وضعها وتعرضها للعنف من زوجها وكانت تصف الأساليب نفسها التي يمارسها زوجي، وكيف قامت بالتصدي لهذه المشكلة وانتشال نفسها من سلوكياته، وكيف أجبرته على الخضوع للعلاج النفسي إذا كان بالفعل يريد البقاء في هذه العلاقة، واسترسلت بالحديث مع زميلتها لحاجتها إلى أخصائي نفسي يدعمها ويرشدها بالطرق العلمية لمواجهة المشكلة وحلها، وأنه قد آن الأوان للبدء في نهاية الألم والخوف والترقب. نعم، وللأسف معظم ضحايا العنف يلومون أنفسهم ويقعون ضحية أفكارهم نتيجة تقدير الذات المنخفض، لذا يقعون ضحية للعنيف المستبد.

ما تستطيع فعله

هناك توصية من قبل الأخصائيين النفسيين وهي مهمة جداً، على من يتعرض لأي من أنواع العنف التحدث مع أحد قريب ليتلقى الدعم وألا يواجه المشكلة وحده. كما يُفضل زيارة مختص حتى يواجه ذاته ويتعامل مع مشاعره وعواطفه بطرق مهنية، وللتحرر من سيطرة المعتدي حتى يعيش الشخص حياته بثقة. استشارة

 استشارة

• لديّ مشكلة وهي أني وحيد والديّ، ولكنهما انفصلا منذ 20 سنة وكلٌّ منهما تزوج وأنجب، وكان عمري حينها 6 سنوات، أعيش مع والدتي منذ الصغر لكنني ألتقي والدي في بعض الأحيان، تخرجت مؤخراً وحصلت على وظيفة، ولكنني أعاني بعض المشاكل النفسية كالاكتئاب. وأشعر بأني منبوذ وأمي لا تحبني منذ الصغر وتفضل أبناءها الآخرين، فهم متسلطون عليّ وأنا لا أشعر بالانتماء لهم، لأنني معزول حتى في السكن، وطلب أبي مني أكثر عن مرة أن أنتقل للعيش معه، كما أن علاقتي بإخوتي من أبي جيدة، ولكن زوجته لا تريدني معهم، أنا أعاني، ماذا أفعل؟

بداية.. إذا كان تشخيصك بالاكتئاب من قبل أخصائي نفسي مهني، فيفضل أن تناقش معه هذه المشكلة المؤلمة بالنسبة إليك فهذا أفضل، وبشكل عام أنت الآن في عمر 26 تقريباً حسب المعلومات التي ذكرتها، وقد أنهيت دراستك ولديك وظيفة فلم تعد بحاجة لرعاية والديك، وبالتالي يمكنك أن تضع خطة مستقبلية في هذه المرحلة. أما علاقتك بوالديك فعليك الحرص على التواصل معهما وبرهما من دون الحاجة للعيش معهما في ظل هذه الظروف، وكما قلت، عليك مناقشة هذا الموضوع مع الأخصائي المشرف على وضعك.