منذ وعى إنسان هذه الأرض على أهمية الزراعة من أجل الحياة، وهو يسعى للاهتمام بالشجر بكل أنواعه التي تنبت حوله، وتمنحه الغذاء والظل وتنعش تربته، وتكون صاحبته وقت الراحة، والمشهد الجميل الذي يمتع به عينيه وقت الرحلة، وأهمها النخلة، التي ما زالت رمزاً لهذه الأرض المعطاءة. أكرمها فأكرمته، ومنحها فمنحته، وأعلى جذعها القوي حتى بلغ السماء، فأعلت مكانته بين الأمم، فأوصلته إلى العالمية، ووضعت له بصمة في «اليونيسكو».

 النخلة في «اليونيسكو»

خلال الفترة من 8 حتى 14 ديسمبر من عام 2019، وفي اجتماع اللجنة الحكومية الرابع عشر لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، بمدينة بوجوتا بدولة كولمبيا، تم الإعلام عن تسجيل عنصر نخيل التمر (المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات) على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي. ويعد ذلك إنجازاً مشتركاً بين الإمارات و 13دولة عربية، من ضمنها السعودية، ومصر، والعراق، وسلطنة عمان، وبمشاركة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو». وتعد النخلة ثاني أكبر عنصر مشترك عربي مسجل على هذه القائمة، بعد الصقارة.

«الزراعة حضارة»

النخلة، هي الشجرة التي راهن عليها كبذرة لمشروعه الزراعي «رجل البيئة الأول»، «بطل الأرض»، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الرجل الذي علم الأرض قبل الإنسان، أن الزراعة ممكنة، على الأرض التي قال الخبراء الأجانب عنها وعن ارتباطهم بها، إنها لا تصلح لذلك، وأراد أن يريهم المستحيل، فصنعه بإرادته القوية، وأمله الكبير بالله. زايد الذي علم مدى ارتباط الزراعة بالحضارة والاستقرار والنماء، قال مخاطباً شعبه يوماً: «كل حي في أرض، أود منه زراعتها، أنا سأوفر له الماء، وكل ما يحتاجه، القادر يزرع، ولمن لا يقدر سأزرع له، في كل أرض فيها ماء وتنفع للزراعة، أنا سأزرع له، إن كان في أقصى حدود الدولة، غرباً أو شرقاً».

النخلة، لم تكن بالنسبة لأهل المنطقة مصدراً للغذاء فقط، بل كانت المصدر الأساسي للعديد من الصناعات والحرف التي يحتاجونها لتسيير أمور حياتهم، فمن سعفها تصنع الأدوات المستخدمة بشكل يومي، ومن الجذوع يصنع البيت، ومن ليفها تصنع الحبال، مثلاً، وهذا ما جعل المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، حريصاً على اعتمادها الأساس لمشروعه البيئي الزراعي، فسعى إلى بسط المساحات الصفراء الشاسعة في أرجاء الدولة، بمد النخيل الأخضر، حتى توجت الإمارات باعتبارها أول دولة في العالم في أعداد شجر النخيل في موصوع غينيس للأرقام القياسية، بأكثر من 40 مليون نخلة، عام 2009.

 شجرة الحياة

كان المغفور له يشرف بنفسه على زراعة النخيل، وغيرها من الأشجار، ومما يرد ذكره في التاريخ، أنه أمر بزراعة شارع المطار القديم بـ600 نخلة، وكان أول شارع تتم زراعته بهذا العدد من النخيل، بعدها أمر بزراعة الورد والأشجار الأخرى، ليمتد عبقها حتى قصر الشاطئ، فحظيت بزينتها الشوارع والمتنزهات والبيوت والمدارس وغيرها من المرافق.

كما أدرك الشيخ زايد، طيب الله ثراه، أهمية الزراعة من أجل ربط المواطن بالأرض وتحقيق الاستقرار، لذا ومنذ توليه الحكم في مدينة العين، عمل على تغيير نظام السقاية الذي كان منتشراً آن ذاك، فوضع خطة تطويرية تعتمد على إصلاح الأفلاج القديمة التي أهملت، وحفر أفلاج جديدة لتوسعة شبكة الري، كما أنه قام بنفسه بحفر فلج الصاروج في مدينة العين، وبعد الانتهاء من الحفر أصرّ على إلغاء نظام السقاية وتجارة مياه الري.

النخلة كانت شيئاً أساسياً بالنسبة لثقافة وجود الإنسان على هذه الأرض، وما زالت، قال المغفور له: «شجرة النخيل بالنسبة لنا كانت وما زالت شجرة الحياة، نشأنا بظل هذه الشجرة الرائعة، ومنتجاتها العديدة، ولا نستطيع العيش من دونها».

«جائزة خليفة»

اهتمت القيادة بالنخيل وزراعته، من أجل دوام العناية به، وتطوير سبل هذا الاهتمام، للإبقاء على امتدادها فوق حرير هذه الأرض، وكل أرض تنبت عليها خارج الدولة، فقد استحدث صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جائزة مخصصة لها ولدراساتها، بعنوان «جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي». ومما ترنو إليه الجائزة، إقامة تعاون وطني وإقليمي بين الجهات ذات الصلة بالابتكار الزراعي وصناعة نخيل التمر، ونشر ثقافة هذا النوع من النخيل، والاحتفاء بالجهود المتميزة التي تبذل لتطوير القطاع الزراعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة 2030.

 النخلة بين 429 عنصراً 

تضم القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية بـ«اليونيسكو» حتى اليوم 429 عنصراً مسجلاً، ترمي من خلالها إلى ضمان إبراز الممارسات الثقافية ومعارف المجتمعات المحلية من دون أن تضفي عليها صفة الامتياز أو الحصرية.

تعزز اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، صون أشكال التعبير الثقافي الحية الموروثة من السلف، مثل أشكال التعبير الشفهي، وفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات الاجتماعية، والاحتفالات، والممارسات المتعلقة بالطبيعة، والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.