مشهد العودة من المدرسة وتفقّد الأهل لحقيبتنا و(كشكول) دفتر الكتابة، أصبح يشبه قصّة قديمة يشتاق لها البعض، وعندما يُذكر في حديث عارض مع بعض الأصدقاء أو الأهل ممن لا يزال أبناؤهم في المدرسة، نبتسم لذكرى أيام (لوّل)، خاصة أن الكتب الرقمية والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة (اللابتوب) أصبحت توجهاً سائداً، وبدأت تُزيح الكتاب والدفتر الورقي شيئاً فشيئاً عن الرف وتركته في زاوية محدودة ببعض المدارس وحتى البيوت، وطبعاً ليس هناك ما هو غريب بتحييد الأساليب التقليدية، لأن انجذاب الناس كباراً وصغاراً للأجهزة الذكية ليس سراً ولكنّه أسلوب الحياة اليوم.

لكن ما فاجأني أن البعض يتحسّر ويفتقد هذه الآلية التقليدية البسيطة، التي تسمح لولي الأمر بمتابعة أداء وتحصيل الأبناء الدراسي عن قرب، ورغم أن مريم على وشك التخرّج من جامعتها وأنا لا أواجه ذلك، لكن ما استوقفني هو أن تقنيات التعليم كانت في قفص الاتهام بالنسبة إلى البعض، فما التهمة؟

ملاحظات الأهل حول التقنية في النقاش حفّزت (رمسة عاشة)، وهو ما دفعني إلى محاولة تلمُّس جانب من علاقة المؤسسات التعليمية بالتقنية، التي يبدو أنها تُعاني بعض الثغرات، فبعض الأهل يرون أن جانباً من المدارس وخاصة بالقطاع الخاص، لم ينجحوا في توظيف التقنية بشكل شامل بعد، بحيث لا تتيح التقنية كافة العناصر المتعلقة بالعملية التعليمية، مثل متابعة حقيقية لتحصيل الأبناء كالتي كانت تتيحها الطرق التقليدية، وهنا لا أريد أن أُطلق أحكاماً أو أقف في صف الأهل أو المدرسة.

لا يختلف اثنان على أن التقدم والتطور التقني في المدارس يخفف من أعباء الأهل، وهو ما نُريده ويجب ألا نتأخّر عنه، وبينما يرى بعض الأهل أن الدفتر التقليدي وكتاب التمارين سابقاً، كان يشبه بثّاً يومياً كاملاً لما يحصل في المدرسة، وفرصة لتدارك أي قصور عند الأبناء، أؤمن بأن التقنية قادرة على تغطية الثغرة عبر التطبيق الأمثل الذي يغطي مختلف احتياجات الأهل والطالب والمدرسة.

فأنا في مقدمة من يقولون بضرورة التحوّل الرقمي للتعليم، لكن نصيحتي ألا تسقط أثناء الرحلة الرقمية أساسيات قد تخلق فجوة بين الأهل والمدرسة، والأهم الأهل وأبناؤهم ومتابعة تحصيلهم، لذا فإن رسالتي أن يكون تبني التقنية ليس لأجل التقنية فقط، بل للقيمة والتجربة التي تضيفها، وكذلك لا بُد من أن تضع الجهات المختصة، مثل الوزارات، معايير وسياسات تنظيمية تجعل التقنية إثراءً وليس منصّة قاصرة تُحدِث فجوة بين الأهل وأبنائهم دراسياً وبين الأهل والمدرسة. فأين أنتم وأبناؤكم ودراستهم بين هذين العالمين؟

 

*مدير عام دبي الذكية