غدّة الطفل الدرقية صغيرة جداً لكن وظيفتها كبيرة، واسعة، هائلة. فماذا لو أصاب هذه الغدة خلل ما؟ ومن الطفل المعرض للإصابة بفرطِ نشاط الغدة الدرقية أو قصوره؟  

تتلقى غدة الطفل الدرقية أوامرها من الغدة النخامية بواسطة هرمون «تي أس أش»، وهو يُنتج لدى وصوله إلى الغدة الدرقية هرموني «تي3» و«تي4»، اللذين كلما انخفضا أفرزت الغدة النخامية المزيد من «تي أس أش». وهنا يبدأ الخلل. 

قديماً، كما نظنّ أن الكبار وحدهم قد يعانون مشاكل في الغدد الدرقية، لكن الدراسات الحديثة بيّنت معاناة ملايين الأطفال في العالم من اضطرابات في الغدة الدرقية. وهناك كثيرون يتعايشون معها من دون أن يدروا بها. فهل نفهم من هذا أن لا داعي للهلع إذا أصاب الطفل هذا الخلل؟ 

لا، مشاكل خمول أو فرط الغدة الدرقية لدى الأطفال خطيرة جداً، تؤثر في نمو الدماغ والعظام والتمثيل الغذائي. والغدة الدرقية، لمن لا يعرف، هي جزءٌ من نظام الغدد الصماء في الجسم، لذا يفترض أن يُشرف على أيّ اضطراب في الغدة الدرقية اختصاصي في الغدد الصماء. فما رأي الاختصاصي في أمراض السكري والغدد الصماء والدهون الدكتور منذر صالح؟ 

الدماغ يتأثر

يلفت د.صالح إلى ما كشفته دراسة عالمية حديثة أن 84% من الأمهات لم يتمكنّ من التعرف إلى الأعراض الأكثر شيوعاً لاضطرابات الغدة الدرقية، التي إذا لم تتمّ معالجتها تسبب ضرراً في عملية نمو الطفل وتطور دماغه، وتؤثر في صحته بشكلٍ عام. وهذه طبعاً مشكلة كبيرة. والسؤال البديهي هنا، ما السبيل لاكتشاف الخلل باكراً؟ 

هناك إشارات قد تشي بفرطِ نشاط الغدة الدرقية، وإن كان التقاطها غير سهل، بينها: عصبيّة الطفل، تعبه وخموله، شعوره المفرط بالصقيع، جفاف الجلد والشعر، الإمساك، انتفاخ في الوجه خصوصاً حول العينين، ضعف مهارات الذاكرة وصعوبة التفكير، ضعف الأداء في المدرسة، كآبة، جحوظ في العينين، زيادة في تساقط شعر فروة الرأس، نبض سريع، ضعف عضلات الكتفين والفخذين وصعوبة في الحصول على نوم هانئ.   

يكتشف الأهالي هذه الحالة لدى أطفالهم إثر ملاحظتهم تأخر نمو الأسنان والهيكل العظمي لدى صغارهم، أو بسبب زيادة وزن الطفل المصاب مقارنة بطوله ومعاناته مع الاستيعاب المدرسي وتقلب مزاجه. هذه إشارات قد تلفت أنظاركم إلى ما هو أبعد من التطور للبحث عن السبب. الخلل في عمل الغدة الدرقية قد يكون السبب. 

التشخيص المبكر

يتحدث الدكتور صالح عن دور الغدة الدرقية فائق الأهمية في تنظيم عمليات الأيض لدى الطفل، وهي جدّ ضرورية لنموّ الطفل وتطور دماغه. وتساعد الغدة الدرقية على صيانة الوظائف الحيوية لجسم الطفل مثل التنفس والدورة الدموية والهضم. وتعمل على مراقبة جميع أعضاء الجسم لتعمل بشكل مناسب. يضيف: «أحياناً، تتوقف الغدة الدرقية عن العمل بشكل طبيعي فيُصبح نشاطها مفرطاً، مما ينتج كميات كبيرة من الهرمونات الدرقية. وأحياناً، قد تنتج كمية غير كافية من الهرمونات الدرقية. لذا، لا بُدّ من إجراء، عند ملاحظة أيّ خلل، فحص بسيط. وكلما أتى التشخيص الصحيح باكراً نجح العلاج». 

في الأرقام، هناك ثمانية أطفال يعانون قصوراً في الغدة الدرقية من كلّ مليون طفل تحت سنّ الخامسة عشرة.. هنا سؤالٌ يُطرح: هل الغدة الدرقية هي سبب السمنة عند الأطفال؟ الجواب عكسي: السمنة قد تؤدي أحياناً إلى تغييرات في مستوى هرمون الغدة الدرقية. وفي التفاصيل أن الدهون الزائدة في الجسم يمكن أن تزيد مستوى هرمون الليبتين، الذي يمكن أن يزيد بدوره مستوى هرمون الغدة الدرقية. وفي مثل هذه الحالة يمكن أن تعود مستويات هرمون الغدة الدرقية إلى طبيعتها بعد خسارة بعض الوزن. 

العلاج

نصل إلى العلاج، يشرح صالح: «يبدأ بوصف الأدوية المضادة للغدة الدرقية، وغالباً ما يكون لها تأثير إيجابي بعد ستة إلى ثمانية أسابيع». هناك أطباء، يعتمدون العلاج باستخدام اليود المشعّ في الحالات التي تصعب السيطرة على فرط نشاط الغدة الدرقية لدى أصحابها. وفي حال أخفقت كل هذه العلاجات البديهية فقد ينصح الأطباء بإجراء عملية جراحية لإزالة الغدة الدرقية. ويهمّ أن تعرفوا هنا أن كلاً من اليود المشعّ والجراحة يؤديان إلى حدوث قصور في الغدة الدرقية مدى الحياة، لكن يمكن تصحيح هذه الحالة بتناول دواء محدد. 

الغدة الدرقية التي تصيب الكبار تصيب أيضاً الصغار. فلا تغفلوا أبداً هذه الحقيقة. وإذا كان الكبار يفهمون ما معنى الغدة الدرقية فإن الإجابة عن أسئلة الصغار تكون برسمِ فراشة تجلس في مقدمة الرقبة، فوق القصبة الهوائية، وإخبارهم بطريقة مبسطة عن دور هذه الغدة في الجسم. الصغار يحبون هم أيضاً سماع كلّ الحقيقة.