على مدى الأزمنة تركت الحبوب والخبز بصمات عميقة في حياة الناس، على أعمالهم ورفاهيتهم، وكذلك على معاناتهم. على قمة تل محاط بالمناظر الطبيعية الخلابة في مدينة سيا البرتغالية، يطل «متحف دو باو» على زواره بتاريخ باذخ العراقة عن قصة الخبز، الذي يشكل أساس الوجود الإنساني والثقافة والحضارة في جميع أنحاء العالم. 

يقع متحف الخبز الوطني في بلدة «سيرا دا استريلا» على بعد 350 كم شمال شرق لشبونة، وهو متحف خاص فكر في إنشائه ثلة من المثقفين ورجال الأعمال والمدرسين عام 1996، وتم افتتاحه في سبتمبر 2002. وجمعت مقتنيات المتحف عن طريق التبرعات والمزادات والمتاحف الأخرى، وهو يعمل على زيادة مجموعاته باستمرار، وفي غضون سنوات بسيطة أصبح من المعالم السياحية في البلاد.  

تم تصميم المتحف هندسياً من إعادة بناء وتوسيع مبنى قائم مسبقاً، واستخدمت في تحديثه وتهيئته المواد المحلية، مثل الخشب والحجر، وذلك من أجل دمج العقار بالكامل في المناظر الطبيعية الجبلية المحيطة. ويغطي المبنى المكون من ثلاثة طوابق، مساحة تقدر بـ3500 متر مربع، مما يجعله أكبر متحف للخبز، وواحداً من بين 13 متحفاً فقط من نوعه في العالم.

قصة 

يهدف المتحف إلى جمع وحفظ وعرض الأشياء التراثية المتعلقة بصناعة الخبز، من جميع جوانبه الأثنوجرافية والسياسية والاجتماعية والتاريخية والدينية والفنية، كما يهدف كذلك للحفاظ على التقاليد والمعرفة والفن والتاريخ المرتبطة به، ومن خلال قاعاته المختلفة يمكنك القيام برحلة قصيرة إلى عالم الخبز المدهش، والاطلاع على قصة أكثر من مئة نوع مختلف منه، حيث يسرد تاريخ قرون من مواسم الحصاد وصناعة الخبز في البرتغال وأهميته وكيفية تطور أشكاله ومصنوعاته. 

من البداية 

يعرض المتحف من خلال العديد من قاعاته، أقدم تقاليد صناعة الخبز، من الأدوات المستخدمة في حصاد القمح إلى الأغاني المصاحبة لطحن الحبوب، ويرصد تاريخ الخبز سياسياً وأدبياً ودينياً والمعدات الأثرية التاريخية والصور لمراحل إعداده. وتشرح أقسام المتحف المختلفة دورة إنتاج الخبز البرتغالية التقليدية القديمة في أربع عشرة لوحة مصورة، إلى جانب الأدوات والأواني الموضحة في كل لوحة، بدءاً من زراعة الحبوب مروراً بمخازنه ومطاحنه إلى آخر مراحله وهي البيع في المتاجر، وبالتالي فإن الأرض والمزرعة والمطحنة والفرن، كلها حاضرة في جميع القاعات. 

فنون

في إحدى غرف المتحف، بإمكان الزائر معرفة كيفية ارتباط الخبز وجميع عملياته بالفنانين على مر العصور، ومشاهدة سلسلة من المواد الفنية المستوحاة من الخبز وأدواته وتقاليده وعمله، تبدأ من الزراعة والحصاد والطحين والصناعة في أمثلة من البلاط والزجاج والخشب، والبطاقات البريدية القديمة والتقويمات والأيقونات والسيراميك والفضة. كذلك يوجد بهذه الغرفة مثال حي لمخبز برتغالي قديم، يعمل بطريقة تقليدية باستخدام نماذج بالحجم الطبيعي، بالإضافة إلى ثلاثة طواحين تعمل بشكل مستمر، لا تزال تذكر بصوت الماضي، إضافة إلى اللوحات الفنية التي رسمها الرسام البرتغالي الشهير فيلهو، والتي تحكي الكثير عن الحبوب والمزارع ورحلة الحصاد. بينما تشرح غرفة أخرى تاريخ صناعة الخبز في البرتغال في 300 عام، بداية من الاستقلال (1640) إلى فترة استعادة الديمقراطية (1974)، موثقة من خلال مئات الوثائق الأصلية من أنواع مختلفة.

رحلة أسطورية

في قسم الأطفال، وهو مكان مخصص للزوار الصغار كمساحة تعليمية، حيث تأخذهم التوضيحات والمعلومات عن مراحل صناعة الخبز في رحلة ساحرة تخيلية وأسطورية، إذ تشرح الدمى المدببة طريقة صنع الخبز ولا تجعل من الأطفال مجرد متفرجين في هذه العملية؛ إذ يمكنهم فعلاً المشاركة وعمل العجين بأيديهم والمساعدة في خبزه.

إقبال

استقبل متحف الخبز أكثر من مليون زائر منذ افتتاحه، كما جرب الآلاف من زوار المتحف وجبات المطعم والذي يطل على المناظر الطبيعية، والمصمم بديكورات مزخرفة بالحرف المحلية الذي يقدم لمرتاديه أنواعاً عديدة من الخبز الطازج التقليدي المسمى (بروس) ذات الطعم الذي لا يقاوم. كما يوجد  بالقرب من المتحف محل بقالة، حيث يمكنك كذلك شراء الخبز التقليدي من بين المنتجات المحلية الأخرى في منطقة سيرا دا استريلا.