نسمع كثيراً عن تقرحات المعدة، أو بقرحة الإثني عشر، أي بوجود تقرحات على بطانة المعدة أو في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة. فهل سبب هذه المشكلة، التي تترافق مع آلامٍ شديدة، توترات وحالات قلق، أم الإكثار من تناول التوابل، أم فيروس يضرب المعدة ويحتاج إلى علاج محدد، أم الإفراط في التدخين؟ أم أن هناك سبباً ما آخر نجهله أو نتجاهله؟

يخال الإنسان أن التقرحات لا تصيب إلا المعدة، لكن الصحيح أنها قد تصيب أيضاً جزءاً من الأمعاء خارج المعدة. وهو ما يُعرف باسم قرحة الإثني عشر أو القرحة الهضمية. ولعلّ العلامات والأعراض في كلتيهما هي نفسها، وأبرزها: وجود آلام حارقة في البطن أو ما يُشبه النخر فيه. ويهمّ هنا أن تعرفوا أن بعض الحالات ليست مؤلمة ولا تتم ملاحظتها، إلا بعيد حدوث مضاعفات بينها نزيف يستوجب الانتقال الفوري إلى المستشفى. 

ألم البطن الناجم عن حدوث هذه التقرحات يمكن أن يتنقل من منتصف البطن إلى العنق والظهر. إنه يتمدد، ويمكن أن يستمرّ بضع دقائق أو يدوم ساعات. ويشتدّ غالباً بعيد تناول الطعام وقد يوقظ البعض جراء الألم ليلاً. هناك أعراض أخرى، أقل شيوعاً قد تظهر، بينها: عسر الهضم، حرقة في المعدة، فقدان الشهيّة، فقدان الوزن والشعور بالانتفاخ، خصوصاً إثر تناول الأطعمة المشبعة بالدهون. 

عصارات خطيرة

تحدث هذه التقرحات بسبب قيام أحماض وعصارات المعدة بإتلاف طبقة المخاط الواقية في الجهاز الهضمي. وكلما زادت رقّة هذه الطبقة زادت المشكلة حدّة. ومعلوم أنه حين تتطوّر تقرحات المعدة إلى ثقوب في جدارها يُصبح الأمر خطيراً وتبدأ محتويات المعدة، من طعام وسوائل، بالعبور عبر الفتحة الموجودة في المعدة إلى تجويف البطن، مما يؤدي إلى تطوّر الأمر في شكلٍ أسوأ مسبباً «التهاب الصفاق». فماذا لو قيل لكم إن حالتكم تطورت إلى هذا الحدّ؟ ماذا لو أخبرتم أنكم تعانون «التهاب الصفاق»؟ صفاق البطن هو غشاء رقيق بالجدار الداخلي للبطن، يغطي الأعضاء الموجودة داخل البطن، ينتج غالباً عن عدوى بكتيرية أو فطرية، كما قد ينتج عن تمزق في البطن، وقد يتطور، إذا أهمل، إلى عدوى في مجرى الدم وتسمم يؤدي إلى الموت. وهو يحتاج إلى علاج سريع. 

اختبار التنظير

مصابون بتقرحات في المعدة؟ تشكّون في إصابتكم بها؟ اختبار التنظير العلوي الذي يستغرق خمس دقائق يحسم الشكّ باليقين، في المقابل، يُعدّ التصوير المقطعي للبطن أقل أهمية بكثير في التشخيص، لذا، نادراً ما يتمّ الكشف عن القرحة الهضمية عن طريق الفحص الطبقي المحوري للبطن. والعلاجات الأوليّة تكون، في حال التأكد من عدوى بكتيرية، بتناول المضادات الحيوية طوال أسبوع أو أكثر، وأدوية مضادة للحموضة وتجنب الأطعمة الحمضية والحارة والتدخين. 

بكتيريا «الهيلوباكتر»

البكتيريا الأكثر التصاقاً بهذا النوع من التقرحات هي «الهيلوباكتر» (وتعرف بجرثومة الملوية البوابية) الموجودة غالباً منذ الطفولة، عند %20 تقريباً ممن هم دون سن الثلاثين، ونصف من تزيد أعمارهم على الستين، وهي قد تتطور عند البعض وتظل راكدة عند البعض الآخر. تلتئم التقرحات بغالبيتها بعد الخضوع لعلاج جيّد. لكن ماذا لو لم تنجح العلاجات الأولية؟ بعض التقرحات الهضمية تُشفى من تلقاء نفسها، لكن القرحة تميل، في العموم، للعودة. وقد تؤدي إلى تآكل جدار الأوعية الدموية في المعدة أو الأمعاء الدقيقة. وفي حال كانت بكتيريا «الهيلوباكتر» السبب المباشر فإن الطبيب يصف مزيجاً من المضادات الحيوية لإنهائها، وقد يساعد تناول بعض الأدوية الوقائية حتى تتمكن القرحة من الشفاء. وفي حال استمرّت المعاناة وفشلت كل العلاجات يوصى باللجوء إلى العلاج الجراحي خصوصاً إذا تبيّن أن سبب التقرحات وجود أورام خبيثة.

خرافات

ثمة خرافات كثيرة تحوم حول هذا المرض. فهناك من يقول إن القرحة تنتج عن الإجهاد والقلق وعن الأطعمة الغنية بالتوابل. وأن تناول الأطعمة البيضاء، مثل الحليب والبطاطس والأرز، يساعد على علاج القرحة. فهل هذا صحيح طبياً؟ هناك معلومات خاطئة في هذا الموضوع الذي تسببه العدوى البكتيرية وتناول بعض الأدوية ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية. أما الأطعمة الغنية بالتوابل فتهيج التقرحات الموجودة، لكنها لا تسبب القرحة مباشرة.