لم يضع اتجاه الناشر الإماراتي محمد العيدروس لدراسة المجال المصرفي والمالي في أميركا وأستراليا حداً لشغفه بالقراءة واقتناء الكتب، بل كان خلال دراسته وسنوات عمله الأولى حريصاً على شراء الكتب وتوزيعها على زملائه، بهدف التأثير فيهم إيجابياً، فقاده طموحه إلى تحقيق حلمه الأكبر، وهو جلب معرض «بيغ باد وولف» الشهير للكتب إلى دولة الإمارات، وهو ما تحقق بحسب حديثه لـ«زهرة الخليج» بعد جهد مضنٍ ودعم مؤسسات.

حلم

بدأ العيدروس بمعرض للكتب منذ عام 2015، وكان في حينها يشترك في مكتبات محلية تبيع الكتب مخفضة السعر في كوالالمبور، أو يشتريها من (أوتليت الكتب) في مدينة سانت كاترين في كندا، ليعود بها ويوزعها على أصدقائه، إلى أن فكر أن يلعب دوراً أكبر على هذا الصعيد، ويتناغم مع مبادرة «تحدي القراءة العربي» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. عندها، قرر العيدروس الاتصال بصاحب فكرة معرض «بيغ باد وولف» أندرو ياب، التي انطلقت في عام 2009، لينقل فكرته إلى دول الخليج على أن تبدأ في الإمارات أولاً، وبقي يحاول دون أن يوفق لانشغال مؤسس فكرة هذا المعرض الدائم، إلى أن تم له ما سعى إليه، والتقاه في نوفمبر عام 2017.

 مشروع جاد

الشغف والإصرار ساعدا العيدروس على إقناع أندرو ياب بأن يجلب معرض الكتب هذا إلى الإمارات، وكانت خطوته الثانية هي إيصال مشروعه إلى القنوات الرسمية ومتابعة الإجراءات اللازمة لإقامته في الدولة، موضحاً: «هو مشروع معقد وصعب ولكن سرعان ما بدأ يؤخذ على محمل الجد، خصوصاً بعد أن حصلت على قبول من (مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة) التي قررت دعم القسم العربي في المعرض، واستجابة من (المجلس الوطني للإعلام). وحظي أخيراً بالموافقة الرسمية في سبتمبر من عام 2018، لينطلق المعرض في تجربته الأولى بشكل رسمي في 18 أكتوبر الماضي، بثلاثة ملايين كتاب تتفاوت بين كتب للأطفال والمعرفة والاستمتاع، ويحقق نجاحاً لم يكن متوقعاً».

 معرض يجوب العالم

صحيح أن العادة جرت على أن يسمى أي معرض للكتاب باسم المدينة التي يقام فيها، إلا أن اسم معرض «بيغ باد وولف» الجذاب كسر قاعدة أسماء معارض الكتب التقليدية، لأنه بمفهومه يجوب العالم. يتكلم العيدروس عن مشروعه بحماسة قائلا: «كان حلمي أن أقدم الكتاب لكل العالم وقد نجحت. غمرتني سعادة لا توصف وأنا أشاهد الإقبال الكبير من الناس على المعرض، من كل الفئات العمرية والاجتماعية والثقافية، وشعرت بأنني أساعد محدودي الدخل على شراء الكتب بأسعار زهيدة جداً، ووفقت في إحداث تغيير وإعطاء المجال لكثيرين ليقرؤوا ولو كتاباً بسيطاً، فيطوروا أنفسهم ويبنوا أفكاراً مزدهرة لمستقبلهم، فالكتاب يعلم وينور ويثقف». كما لا يخفي العيدروس فرحته بدخول 150 زائراً معرضه في دورته الأولى، وأضعاف هذا الرقم في دورته في العام الحالي، لافتاً: «تلبي الكتب الموجودة في المعرض كل الأعمار والأذواق بالإضافة إلى أن أسعارها مناسبة للفقير، فهناك كتب بخمسة وعشرة دراهم». 

 تحدٍّ

وإذا يعتبر العيدروس أن معرض «بيغ باد وولف» تحدٍّ في مواجهة الأمية من خلال تسهيل القدرة الشرائية لاقتناء الكتب وتعميم ثقافة القراءة والتعلم، يتابع العيدروس: «القراءة هي مهارة وتُبنى بالسنوات الأولى للنشء، وهو ما يفعلونه في الدول المتقدمة، وبالتالي فإما نرى أن هذه المهارة متطورة في الشخص، أو نحاول تعليمها له لتصبح لاحقاً هواية على مبدأ أن العلم بالتعلم. ومما لا شك فيه أن وجود هذا النوع من معارض الكتب يحفز على القراءة وله أثر إيجابي في الناس، فهم حتى ولو كان بعضهم لا يقرأ، يستحيل ألا يجدوا ما يحثهم على شراء كتاب في موضوع يحبونه، ونحن نعول على هذا الأمر ليكتشف هؤلاء أهمية ومتعة القراءة فيواظبوا عليها».