التوقيع هو اختراع بشري، ولا يوجد أي مصدر دقيق يحدد أول من قام بالتوقيع، إلا أن الشواهد تشير إلى الحضارة السومرية بأنها أول من وضع أختاماً محددة.

كان المعوض عن فكرة التوقيع الآن هو الختم، وكانت الأختام مقتصرة على الملوك والأمراء ومن في عدادهم من المسؤولين، كالقضاة ومن يعني الختم قراراً رسمياً، حتى العملة بدأت بما يشبه الأختام.

وللتواقيع عوالم كبيرة، فهناك مسؤول لديه أكثر من توقيع، فحين يريد رفض المعاملة يقوم بالتوقيع عليها بتوقيع يعرفه الموظف بأن الطلب مرفوض، وتوقيع يعني قبول الطلب، ويكون المدير أو المسؤول بعيداً عن الحرج، فقد قام بالتوقيع بما يشبه الموافقة.

وربما يكون لاختراع الآلة الكاتبة الأثر الأهم بازدهار التوقيع، حيث ساوت الآلة الكاتبة بين الأسماء، وأصبحت رائحة اليد لا تدرك إلا بالتوقيع، حين نرى التواءة الخط وتعرجاته بما يبعد صنمية وجفاف الآلة الطابعة، التي تطورت فيما بعد للكمبيوتر، فيدخل الكتاب مطبوعاً لا أهمية له، ما إن يخرج وعليه التوقيع، حتى ينتقل من كونه ورقة لا قيمة لها رغم ما عليها من كتابة، إلى قرار أو قانون، يرتفع به أناس وينخفض به آخرون.

لقد أصبح التوقيع هو الشخص، هو بصمته المعلنة المرئية، حتى إن هناك من حاول أن يوجد علاقة بين الشخص وتوقيعه، بأن تكون تلك الخطوط المتعرجة والمائلة، تحمل دلالة خاصة معبرة عن شخصية صاحب التوقيع ونفسيته، وهناك من توجه إلى منحى آخر بأن مكان توقيع الإنسان على الورقة يحدد شخصيته، فإن وقع أسفل الورقة على اليمين أو اليسار أو الوسط، كلها دلالات على الشخصية، وقد لا يرى البعض فيما يراه الآخرون صواباً، حيث إن اختيار التوقيع عادة ما يكون في فترة المراهقة وما يتبعها، بينما يستمر التوقيع إلى مراحل متأخرة في حياة الإنسان، وما يرافقها من مناصب ومسؤوليات ونجاحات وانسكارات.

التوقيع حالة متميزة تنشأ مع مرور الزمن علاقة بين التوقيع وصاحبه، وبين التوقيع ومن يتعامل معه، فتندمج الحالة بأن يكون توقيع فلان هو شخصيته، أو أن توقيع فلان هو فلان نفسه، وهناك حروب تقوم بتوقيع، وسلام يقوم بتوقيع، وحفل التواقيع بين الدول هو سقف التعاون المنشود، وهو المواثيق التي لا قيمة لها من دون توقيع في أسفلها.

 

أتتني تسألُ التوقيعَ 

أو شِعراً إلى غدِها

ومدتْ خدَّ ديواني

على أنفاسِ مقعدِها

ومُذْ صافحتُ سائلتي

نسيتُ الوقتَ في يدِها

نسيتُ براءةَ التوقيعِ 

أو شكلَ استدارتهِ

كتبتُ برعشةِ المشنوقِ

ما أوصى لجارتهِ

أيكتبُ شاعرٌ قد هامَ

تيهاً في خسارتهِ