يمر كل شخص في حياته بمواقف صعبة يعاني بعدها أذى نفسياً، وصدمات عاطفية عندما يُسيء إليه أحد من الناس، لا تظن أن الكره سيجعلك أقوى، وأن الحقد سيجعلك أذكى، وأن القسوة ستجعل منك إنساناً محترماً مرموقاً. لعل الإساءة إليك تنعكس على معاملتك لمن أساء إليك، ولعلها تتعدى ذلك وتسيء معاملتك مع الذين لم يسيئوا إليك، وكأنك تنتقم منهم رغم أنهم لم يفعلوا لك شيئاً يستحق سوء معاملتك لهم.

يظل هذا الموقف ثقيلاً على نفسك، وتحمل بداخلك مشاعر سلبية تتجدد كلما تذكرت من أساء إليك، وتقضي حياتك في حلقة مفرغة، يتجدد فيها الألم والحزن كلما مر بك أو بغيرك موقف مشابه، وقد يصل الأمر إلى إيذاء من أساء إليك. فربما تتوقع أن يأتي إليك المسيء معتذراً، ولكنه لا يعتذر مطلقاً، لأنه من وجهة نظره لم يخطئ ولم يفعل شيئاً يستحق الاعتذار، وتزداد العلاقات توتراً، لاسيما إذا كانت هناك معاملات يومية، وقد تتدهور مع مزيد من المعاملات، ومزيد من الأخطاء، وقد يحدث تباعد، وتنافر، وفتور، وتتجمد العلاقة وتنقطع الجسور ودوائر الاتصال، وكلما ازدادت المواقف تأزماً تذكرنا أنه كان من الأفضل إنهاء هذا الموقف من بدايته، قبل أن تتطور الأمور، وتخرج عن نطاق السيطرة، ولأن التسامح أمر ليس سهلاً، ولا يقدر عليه إلا من يتمتع بسمو الأخلاق وقوة الشخصية، فالشخص الضعيف لا يقوى على  مسامحة من أساء إليه، لأنه سريع الغضب، ويتصرف من دون وعي، ودائماً ما يسعى إلى رد الإساءة بمثلها في الوقت نفسه، فإن لم يستطع فإنه يدخل في معركة كلامية مع المسيء، فتزيد الأمر سوءاً، وتتشكل عواقب سلبية، تحتاج سنوات لتصحيحها.

اختيار صعب
إن العفو عمن أساء إليك اختيار صعب، لكنه الاختيار الأقوى والأصح، فإذا سامحت أحداً اليوم، فسوف تجد من سيسامحك غداً. لذا يرى المعالجون النفسيون أن التسامح هو أفضل الطرق للمضي في الحياة بشكل سليم بعيداً عن الصراعات والمشاحنات، في نطاق عملك، أو أسرتك، أو مجتمعك. ولتسهيل عملية التسامح، قام قسم علم النفس في جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا، بدراسة ميدانية تدرس أهم الطرق التي تجعل التسامح أمراً سهل التطبيق في حياة الأشخاص، الذين يريدون رداً موجعاً لمن أساء إليهم، والذين لا يتبنون فكرة التسامح، وهي بمثابة تدريب يستطيع أي شخص القيام به، وخلصت الدراسة إلى ثماني خطوات تحقق فيها رداً فعالاً لمن أساء إليك، بل وتعلمك قيمة التسامح وهي كالآتي:

1- تعلم أن التسامح، وتخطي الأمر وعدم النبش فيه تفيدك أنت أولاً، وتجعل حياتك أفضل.

2- حدد الأمر الذي أسيء إليك به، فيمكنك أن تناقشه مع شخص تثق به، لتتأكد من سبب حدوث هذا الأمر.

3- تصرف بحكمة، وفكر في تفريغ غضبك من الموقف بطريقة أخرى، استخدم طاقة غضبك في عمل مفيد، مثل الرياضة، الكتابة، الموسيقى، الرسم، التنزه، الغناء، مشاهدة فيلم.. إلخ.

4- تخلَّ عن التوقعات، فما كنت تتوقعه من شخص ما ولم يقدمه لك، فهذا لا يعنيك إلا أنت، فربما هذا الشخص لا يعلم عن توقعاتك شيئاً، فلا تغضب من أي أحد لم يكن على مستوى توقعاتك.

5- التسامح لا يعني أن تعيد الشخص الذي أساء إليك لحياتك، لكن ما عليك تحقيقه هو السلام الداخلي، ويبدأ ذلك عبر التخفيف من لوم الشخص الآخر، والتعامل معه بشكل عادي.

6- لا تأخذ الإساءة على صعيد شخصي، بمعنى لا تعتبر الشخص الذي أساء إليك يستهدفك شخصياً، فربما ينتقد طريقة عملك، أو اختياراتك، أو رد فعلك، فلا تظن به الظنون.

7- اسأل عن تداعيات الإساءة لتعرف السبب، ولا تنصت إلى كلام الناس المغرضين من حولك، ففي كل إساءة تمر بك، هناك أحد ما سوف يستفيد من هذا الموقف.

8-  تذكر أن الحياة المفعمة بالفرح والحب والصداقات هي أفضل من السعي وراء الانتقام، ورد الاعتبار، فقدرتك على التسامح تزيد من رضاك عن نفسك، والتفاف الناس من حولك.