لا أريد أن نكون كمن يدفن رأسه كالنعامة في التراب وأن أدعوكم لإلقاء أجهزة أبنائكم الذكية من النافذة أو بيعها، لكنني قرأت قبل أيام عن دراسة هي بالنسبة لي تدق ناقوس الخطر الرقمي، حيث رصد علماء أميركيون تغيرات جذرية في بنية المخ لدى الأطفال أقل من 6 سنوات ممن تعودوا الجلوس أمام شاشات التلفزيون والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لفترات طويلة.
تأتي الدراسة - التي أجراها مركز اكتشاف القراءة والكتابة في مستشفى سينسيناتي للأطفال بولاية أوهايو الأميركية - مع تنامي اعتماد الأهالي في منطقتنا وحتى عالمياً على الأجهزة الذكية كمرافق افتراضي ماهر في إلهاء أبنائهم لبعض الوقت.
أنا لست ممن يأخذون نتائج دراسة ما ويتأثرون بها فوراً ولكن تضمنت هذه الدراسة مشاهدات علمية مثبته بالتصوير عن تناقص مادة بيضاء في دماغ الأطفال الذين يتعرضون للأجهزة لفترات طويلة، وهذه المادة تعتبر الغلاف الوقائي حول الأعصاب الذي يحفز الإشارات العصبية بالمرور سريعاً، وهو ما يؤثر في قدرتهم على الكلام والتفكير والقراءة.
بـ«رمسة عاشة» هذه أدقُّ ناقوس الخطر الرقمي وأودّ منّا أن نربطه بشكلٍ جدّي بما نلاحظه على كثيرين في الجيل الجديد من تراجع التحصيل الدراسي خاصة في مراحل الطفولة المبكرة. ويجب ألا نتركهم ضحية لحجة من يقولون: «لو منعناهم من الأجهزة سيتأخرون عن أبناء جيلهم»، المطلوب ليس المنع أو الحرمان ولكن أن نوجد أسلوب حياة يصبح العنصر الرقمي جزءاً لا يتجزأ منه.
وبأسلوب الحياة الرقمي لهذا الجيل أقصد أن نبني استخدامهم للأجهزة الذكية في تفاصيل حياتهم المتعلقة بمعيشتهم في البيت والمهام المدرسية التي يجب أن ينجزوها من دون أن نتركهم للأجهزة بلا حساب، فالمواد الرقمية فيها من الإبهار البصري الكفيل بشغلهم إلى ما لا نهاية، والحل بتخصيص وقت لكل شيء.
أنا مهمتي ووقود أيامي التحوّل الرقمي وهو ما أفعله ليل نهار، لكنني أدعوكم جميعاً أن نجعل الأجهزة الذكية سبباً في ازدهار الجيل وليس تدهور قدراتهم، وذلك بأبسط الأمور مثل تخصيص وقت رقمي لمن نحبهم. هل معرفة الجيل بتشغيل الأجهزة الذكية أهم أم حياتهم ومستقبلهم. أضع الناقوس الرقمي بين أيديكم لتدقوه في محيطكم. فهل تنضمون لي بنشر رسالة الحرص والوقاية في محيطكم؟