هل للإفكار موسيقى؟ لا شك في أن لها إيقاعات تؤثر في الاستقبال، وكلما أدهشت حفزت، فالقراءة تحدث نوعاً من الكهرباء الدماغية، حيث تستحلب من ذهنك أفكاراً لم تكن تعرف أنها مخزونة في رأسك، ولكن مشهد الأفكار على الورق يحرك المخزون من فكرك، ليس من باب الاستدعاء فحسب، حيث تجر الفكرة شبيهاتها، بل إنك ستكتشف تدفق أفكار لا تتصل بالمادة المقروءة. وقديماً قال الجاحظ عن القراءة إنها عقل غيرك تضيفه إلى عقلك، وتجربة القراءة مثلها مثل حالة السماع وما تولده من درجات انفعالية في الذهن المستقبِل، وحالة الخشوع مع صوت القارئ، واهتزاز النفس مع المسموع أو المقروء، ابتهاجاً أو حزناً، وكذا الثقافة البصرية مع لوحة أو فيلم أو منظر طبيعي كالخوف من الرعد أو الطرب لرذاذ المطر.
لي تجارب مع قراءات محفزة مع النصوص ذات التجلي العميق كسونيتات شكسبير أو بعض نصوص محمود درويش، وكلا الرجلين مر بآلام خاصة جعلت نصوصه متقدة بنيران الفكر بصيغة إيقاعية عالية ومتفجرة، فشكسبير عاش في وجع العوز وكان يكتب مسرحياته ويمثلها، لكي يكسب قوته ويسدد ديونه التي تثقل همه وتحول يومه إلى رعب من أشباح دائنيه، ولم تكن الأزقة طرقاً بقدر ما كانت مكامن تتربص بمروره ليصطاده دائنوه ويقودوه للسجن، وكذا درويش كان يعيش مأساة فلسطين التي أصبحت وقود مخه المحترق بوجع القضية، ولذا فإن القراءة لأحدهما تضعك أمام مخازن المعاني المتفجرة، فيتفجر معها دماغك مثل بركان ثائر، كما هي كلمة بايرون، من أن القوافي مثل الحمم البركانية التي تحمي الأرض من الانفجار، والنصوص المتقدة هي بركان ينفث حممه لتحفظ المخ من الانفجار.