حين تنظرُ الأمّ في عيني طفلها وهو يطلقُ أولى صرخات الحياة تتكوّن لحظة من العمر، في عمرِها، لكل العمر. لكن، ماذا لو كانت هذه الأمّ تحت تأثير الجراحة القيصرية؟ وما مدى أمان هذه الجراحة لكلّ من الأم والجنين؟ وماذا عن الآثار الجانبية بعيدة المدى؟

هناك ولادة قيصرية واحدة من كلّ ثلاث ولادات على مستوى العالم. فهل يجوز أن نمرّ بهذه النسبة مرور الكرام؟ يُقال إن السمنة سبب، وإن تأخر الفتيات بالارتباط الزوجي سبب آخر، وإن القلق الذي يسيطر على كثير من الحوامل، قبيل الولادة، سبب ثالث. فما رأي الاختصاصي في الجراحة النسائية وأمراض الحمل المتعثرة رئيس دائرة الطبّ النسائي والتوليد في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور أنور نصار، في حيثيات الولادات القيصرية؟ 

أرقام مهولة
ثلثُ الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية يولدون قيصرياً. 50 % من أطفال مصر يولدون قيصرياً. أكثر من 30 % من أطفال لبنان يولدون قيصرياً. 30 % من أطفال إيطاليا يولدون قيصرياً. وتكر الأرقام والنسب التي تشي بأن ما هو طبيعي في الولادات يتراجع أمام ما هو قيصري.

نعم للولادة الطبيعية
هذه الولادات، بحسب الدكتور نصار، «يفترض أن تخضع لها النساء اللواتي يعجزن عن الولادة طبيعياً، أو من سبق أن خضعنّ لثلاث ولادات قيصرية أو أكثر، أو خضعن لعمليات استئصال ليفي، وهناك جروح قديمة في أرحامهنّ، خشية أن يؤدي الطلق إلى إعادة تفتحها. أو من شعرن بطلق الولادة لكن أرحامهنّ لم تفتح أكثر من تسعة سنتيمترات. وهناك نساء يقررن من تلقاء أنفسهنّ أن يلدن قيصرياً اعتقاداً منهنّ أن هذا يجنبهنّ آلام الولادة».
كثيرة هي الاعتقادات في الموضوع، لكن، ماذا عن كلّ الحقائق؟ هل آلام الولادة القيصرية دائماً أقل ومشاكلها أيضاً؟
يجيب نصار: «لا، الطبيعي هو أن تلد المرأة طبيعياً، لكن، يشهد عالمنا اليوم ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الولادات القيصرية التي باتت تُشكّل، بحسب منظمة الصحّة العالمية، نحو 15 % من نسبة الولادات في العالم. في كل حال، معظم هذه الولادات تحصل بلا مشاكل وآثار جانبية، لكن، هذا لا يعني أنها آمنة جداً، حيث يزيد احتمال إصابة المرأة التي تلد قيصرياً بنزيف أو بالتهابات نسائية أو بتجلط في الدم ثلاث مرات أكثر ممن يلدن طبيعياً».
  الطبيبُ هو من يفترض أن يقرر أي نوع من الولادات تصلح للمرأة. وهو قادر على إقناع المرأة القلقة من آلام الولادة بأن البنج الموضعي أو النصفي، سيسهّل ولادتها كثيراً ويُخفف آلامها، خصوصاً أن آلام الولادة القيصرية بعد الإنجاب تكون أعلى بكثير من آلام الولادة الطبيعية. ويستطرد الدكتور نصار: «نحو 60 % من ولادات التوأم تتمّ قيصرياً، خصوصاً إذا لم يكن رأسا التوأم في اتجاه واحد نحو الأسفل، ويُصار عادة إلى تحديد ولادة التوأم القيصرية في الأسبوع الـ37 أو الـ38 من الحمل، بينما تُحدد ولادة الجنين الواحد القيصرية في أسبوع الحمل الـ39 أي قبل أسبوع واحد من انتهاء الشهر التاسع». 

آلام أكثر
هناك من يسألن في هذه اللحظات عن عدد الولادات القيصرية المسموح بها: ولادتان، ثلاث، أربع، أكثر؟ يؤكد الاختصاصي في الولادة، أن من تلد ولادة قيصرية يمكنها أن تلد لاحقاً ولادة طبيعية، خصوصاً إذا كان الطبيب لجأ إلى الولادة القيصرية بسبب وضعية رأس الجنين الخاطئة. وهنا يفترض أن تعرف كل امرأة أن المخاطر الصحيّة تزداد مع كلّ عملية قيصرية لاحقة، لكن هناك نساء لديهنّ القدرة على إجراء ست عمليات جراحية قيصرية من دون أي تعقيدات. وينصح الطبيب عادة المرأة بأن تنتظر 18 شهراً على الأقل قبل أن تفكر في إنجاب طفل آخر. هذه هي الفترة المثالية الفاصلة التي تلي الولادة القيصرية، لكن هناك نساء يخشين ألا يحظين بفرصة ثانية، نظراً لتقدمهن في العمر، لذا قد يطلب منهن الطبيب الانتظار سنة كاملة لا أكثر.
الأطفال الذين يولدون قيصرياً يكونون معرضين أكثر من سواهم لمشاكل في التنفس، ومشاكل لاحقة في الجهاز الهضمي والتهابات. وتلفت دراسة حديثة إلى تأثير الميكروبيوم، وهو مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان، على الطفل الذي يولد بشكلٍ طبيعيّ يختلف تماماً عن تأثيره في طفل يولد بعملية قيصرية.