يظن كثير من الناس أن التنمر بشقيه اللفظي والبدني مرتبط بفترتي الطفولة والمراهقة، لكنه مصطلح ينطبق على الكبار أيضاً، حيث يعانون التنمر اللفظي خاصة، قد يطلقون عليه وصفاً مثل الإزعاج أو المضايقة. التعليقات السلبية تسمم سعادة الآخرين، تنزع فرح يومهم وتفاؤلهم، تجرح مشاعرهم، خاصة إن سمعوها أو قرؤوها، وهم في قمة بهجتهم واحتفالهم، معظم التعليقات السلبية مصدرها الغيرة، أو الرغبة في إضحاك الآخرين، أو النصيحة في الوقت والمكان غير المناسبين؛ لأن أي ملاحظات غير إيجابية يمكن أن تقال بطريقة لطيفة وعلى انفراد.
الردّ على التنمر اللفظي يكون بتجاهل الشخص المتكلم، لكن إن استمر فيمكن تغيير المكان، أو تغيير الموضوع، أو الردّ عليه بطريقة حكيمة من دون انفعال أو غضب. كل هذه الاختيارات تعتمد على الشخص المتنمر عليه، الموقف ذاته، ومدى تكراره بشكل أو آخر. يفضل الحوار مع الشخص المتنمر على انفراد؛ حتى يعرف سبب تصرفه، مع إظهار عدم الخوف من كلامه أو أفعاله.
أما التنمر الإلكتروني فمنتشر بكثرة، تأثيراته أشبه بدبابيس صغيرة، أو قطع زجاج، أو سكاكين! كل ذلك يعتمد على مدى حساسية الشخص المتنمر عليه، الموقف ذاته، ومدى تفاعل الآخرين مع هذا التنمر سلباً أو إيجاباً. في وسائل الإعلام الاجتماعي من تويتر، انستجرام، فيسبوك، سناب شات وغيرها، أقرأ كثيراً من التعليقات السلبية على المشاهير وغيرهم. ألا يفكر هؤلاء المتنمرون في مشاعر ضحاياهم؟ في موقف أطفال المتنمر عليهم، أهلهم ومتابعيهم؟ أتذكر فتاة أخطأت في التذكير والتأنيث، تبادل الناس الفيديو ساخرين منها، وعمل آخرون فيديوهات تعلّق عليها، ثم اختفت الفتاة من حسابات الإعلام الاجتماعي، في حين دفع التنمر الإلكتروني طبيبة عربية شابة إلى الانتحار! لم تستطع شخصيتها الرقيقة الحساسة تحمل سيل التعليقات المتنمرة ضدها. في المقابل كيف هي الحال مع الأطفال والمراهقين والمراهقات؟ هم في مرحلة حساسة يتأثرون بكل شيء، نفسياتهم أقرب للهشاشة. تترك الصور والتعليقات السلبية أثرها على صورتهم لذواتهم، وواقعهم المعيش؛ لهذا لا بد من التوعية بمخاطر التنمر، خاصة الإلكتروني؛ لأنه يحدث بعيداً عن أعين المعلمين والأهل.
في العالم الافتراضي لسماء الإنترنت المفتوح على كل شيء، ينبغي خفض سقف التوقعات الإيجابية من الآخرين، فلا يتوقع المرء من الجميع الفرح بإنجازاته الشخصية أو مساهماته، والأهم من ذلك انتقاء المتابعين، فلا داعي لقبول استمرار متابعة أناس سلبيين لا يعرفهم صاحب الحساب؛ لأن عملهم الأساسي هو الاستفزاز وتأثيرهم سلبي، مع ضرورة التحصن والحماية النفسية من تأثيرات التنمر الإلكتروني، بالثقة بالنفس، تذكيرها بقوتها، صلابتها، وإنجازاتها. يمكن كتابة هذه الإنجازات على دفتر أو على الحاسوب أو الهاتف الذكي؛ كي يعود لها المرء عند الحاجة. مع ضرورة أن يتابع الشخص ما يهمه على صعيد الدراسة أو العمل، من تشكل متابعته إضافة، الأمر يحتاج إلى اختيار لمن يتابع المرء ويتابعونه بالانتقاء والتصفية؛ لاختيار الأفضل.