دائماً ما يربط الوقت بالاحترام، فنصح الطفل في سنواته الأولى في الدراسة باحترام الوقت، وربما بعض الأسر تنصح أبناءها بذلك إن كانت تعي أن الوقت أشبه ما يكون بنصف الأمر المراد إنجازه.

ومن الأمور التي يجب أن نتوقف عندها، هي أن هناك ثقافة للوقت في المجتمعات المتحضرة، حتى أن هناك مثلاً أو حكمة تقال حين يعطي أحدهم موعداً ويريد من الآخر احترام الموعد، يقول له أهو موعد إنجليزي؟

لا أعرف ما هو مصدر هذا المثل، ولكنني سألت بعض كبار السن، وأشار لي بعضهم بأننا كنا نعطي الموعد لفترة زمنية، كأن نقول سأراك المساء، ويمتد هذا المساء لعدة ساعات، الساعة الخامسة أو السادسة إلى العاشرة كلها مساء، أو أن نقول له سأمر عليك الضحى، والضحى ساعات عدة.

أما الإنجليز فقد كانوا يحددون الموعد بساعة محددة، كأن يقول سأراك الساعة التاسعة بدل الضحى، وتكون التاسعة صباحاً موعداً دقيقاً، تم ربطه بموعد إنجليزي، ولم أزل أذكر أحد الأصدقاء حين عاد من أميركا بعد سنوات دراسة، وكان بيننا موعد، وحين أتى قام بالاعتذار عن تأخره خمساً وثلاثين ثانية، وكان جاداً في اعتذاره، ولكننا أخذنا اعتذاره من ضمن الصرعات التي يأتي بها الدارس في الخارج، كاستخدامه الكلمات الإنجليزية في الحديث والتعبير.

إن ثقافة الوقت تشكل نصف الأمر كما أشرت، فموعد الأكل حين يتم بوقته، يكون الأكل ساخناً ومكتملاً يشكل نصف المتعة، وزيارة المريض أو الصديق بوقت محدد سلفاً يشكل نصف النجاح، حيث يكون الآخر مستعداً لهذا اللقاء.

إن الالتزام بالوقت مع مرور الزمن يشكل وعياً فطرياً، اللباس بوقت محدد والخروج بوقت معين مدروس، يشكل نفس الراحة للإنسان ويجنبه الاستعجال والضيق والحرج، كذلك احترام وقت النوم من الأمور المهمة، فالكثيرون من الناس، إن لم يكن أغلبيتهم لا ينامون بموعد محدد، متناسيين الأثر السلبي المترتب على ذلك.

إن ثقافة الوقت هي معلم أساسي من معالم النجاح، فحين نعرف أن أكبر الأمور في حياتنا مرتبطة بالوقت، فلا يجب أن نتعامل معه بأنه حالة عابرة، وأحياناً حين تخرج الأشياء عن منظومة الوقت تفقد قيمتها، والمواقف الرجولية لها وقت، إن لم تأتِ به لا تكون موقفاً، والإحسان إلى الآخرين إن لم يكن بوقته فلا قيمة له.

فكأن الوقت هذا الكائن الهلامي غير المرئي هو الذي يعطي الأشياء من حولنا قيمتها، ويعطي الحياة رتمها الذي تسير عليه، ويجمل الحياة من حولنا أو يشوهها.

شـعر

وأنا أهربُ من ناصيةِ الوقتِ

ينتمي الآخرُ للأول

إلى قارعةِ الحرفِ أراني أرتمي

والأولُ جذرُ الآخرِ الممتدِّ

يحتمي وجهي ببيروتَ إذا حاصرني اليأسُ

لكنِّي إلى من أنتمي

ولو لم ألتقِ الآن ببيروتَ ففيمن أحتمي

أنا راهنتُ على الوقتِ

أيُّها المنشقُ هذي غصةٌ في الصدرِ

ومن راهنَ بالوقتِ

وإن غادَرَتِ الصدرَ فلم تبرحْ فمي

كمن يحصدُ قبلَ الموسمِ