في الوقت الذي انحاز البعض لثورة التكنولوجيا، وصارت مرجعاً لهم في البحث عن مبتغاهم ثقافياً وإنسانياً. بقي كثيرون يتشبثون بالورق والصفحات ككنز بين أيديهم. فعلى الرغم من الثورة التكنولوجية التي بسطت الوصول لكل ما يخطر ببال، ينحاز معظم الكتاب والقراء إلى الورق، مرجعاً أولاً في صياغة الكلمات ورسم الصور وتقليب الأفكار، في مسعى لديمومة العلاقة القديمة بين الكتاب والقارئ، الذي يتنفس حميمية الكاتب على الورق. وليس أدل من بقاء جذوة القراءة الورقية مشتعلة، سوى ما أكده لـ«زهرة الخليج»، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، أحمد العامري، في ختام معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين، قائلاً: «زار المعرض أكثر من خمسة ملايين زائر، وتم بيع حقوق 340 كتاباً لتتم ترجمتها من العربية إلى لغات عالمية، وتم توقيع 1502 لمؤلفين من الإمارات والعالم العربي، وهناك اطّراد ملحوظ لأعمال تعود لمؤلفين من الجيل الجديد، تكشف عن تمسكهم بالكتاب الورقي». فأي علاقة تربط الكاتب بالكتاب الورقي؟ وأي إصرار هذا الذي يدفعه إلى التمسك به؟ 

الكتاب الإلكتروني لا مكان له في الذاكرة
تقول الكاتبة والناقدة الأدبية الدكتورة بهيجة أدلبي: «أشعر بوجودي اجتماعياً وأسطر مستقبلي وخلودي من خلال كل كتاب ورقي أصدره، فهو رؤيتي وتطلعاتي وهدفي المنشود بحياة نابضة وزاخرة ومثمرة». وبالمرور على مجموعة أعمالها التي تضم 40 كتاباً، ومن بينها كتب في أدب الأطفال، ترد أدلبي على القائلين إن الكتاب الإلكتروني سيأخذ مكان الكتاب الورقي، بالقول: «يستحيل أن يُلغى تاريخ من الورق أسس لوجودنا ومنشئنا، بل سيبقى مثلما ستبقى الكلمات التي طبعت عليه، بعد أن شكّلها الفكر منذ وجوده الأزلي، لتستمر إلى الأزل. والكتاب الإلكتروني لا يجد مكانة له في الذاكرة البشرية كما يتصوره القارئ، بينما صفحات الكتاب الورقية تسكن الذاكرة مهما طال الزمن».

قصة حياة
تؤكد الكاتبة عائشة محمد المحياس أن الكتاب الورقي قصة حياة يعيشها الكاتب على أرض الواقع، مضيفة: «أجد شغفي في معارض الكتب، التي أعتبرها عالماً من الثقافة والعلوم والمعرفة واللغات والمجتمعات المتعددة». وعن إصرارها على إصدار كتب ورقية، تعلق: «تتوق النفس البشرية إلى أن تخلد اسمها بشكل أو بآخر، ووجدت أن إصدار كتاب ورقي وسيلة لذلك. كل كاتب يحلم بأن يترجم أفكاره على ورق، أن يصنع كتاباً يستطيع أن يحمله بين يديه بفخر، أن يشم الحبر النافر من كلماته التي خطها بريشة مشاعره، ويبتسم ابتسامة الانتصار لأنه يسهم في نقل المعرفة للقارئ».

بين الافتراض والواقع
الكاتب والمذيع التلفزيوني والصحافي، أنطوان سعد، لديه علاقة مميزة مع معارض الكتب، فهو يعتبرها: «المكان الأفضل ليحيا الكتاب الورقي ويتجسد من فكرة إلى علاقة وثيقة مع القراء، تتيح لهم أن يناقشوا أفكارهم مع مؤلفه، وتساعد الأخير على بناء جسر عبور بينه وبينهم، فيحملونه تطلعاتهم ويلهمونه بما يتشوقون لقراءته». وعن التحديات الوجودية التي يواجهها الكتاب الورقي، لا ينكر سعد حضور ورواج الكتاب الإلكتروني وفي أحيان كثيرة على حساب الورقي، إلا أنه يصفه «بالقابع في العالم الوهمي والافتراضي، في حين أن الكتاب الورقي يعيد القارئ إلى الواقع، فهو قادر على أن يتحسس أوراقه ويشم رائحتها، ويبني مع ما يحمله في يده علاقة مختلفة، لها معنى وقيمة».

بين دفات الكتب
ترى الكاتبة الشابة تسنيم زياد أبو شاويش أن الكتاب الورقي يمثل للبعض حاجة وضرورة، موضحة: «هناك الكثيرون من أبناء جيلي يحبون القراءة ويحرصون على اقتناء الكتاب، وهو السبب الرئيس الذي دفعني لإصدار كتب ورقية». وحول المحتوى الذي يمكن أن يبحث عنه القراء بين دفات الكتب، تقول أبو شاويش: «جيلنا يبحث عن بعد عاطفي يحتوي مشاعره، ويشجعه على القراءة، لذا ضمنت العاطفة في كتابي لتشد القارئ فيجد ما يستهويه ويستمتع به».

ثقافة حيّة
ترفض الكاتبة نادية النقبي فكرة أن الكتاب الورقي إلى اندثار، وتشدد: «علينا ألا نعدم ثقافة الكتب العربية الورقية، ونحن الذين اعتدنا قراءتها وتصفح الصحف والمجلات مع كل شروق شمس». وتضيف: «بمجرد أن تمسك كتاباً جيداً في يدك تشعر بإيجابية لا تضاهى، ومع تصفحه تنير صفحاته عقلك بالعلم وتنشط حواسك، وتأخذك سطوره إلى عالم جميل وغريب أحياناً، فتعيش حالة من الانفصال عن الذات، لا يبالغ من يصفها بأنها ممتعة ومثيرة». وعن رسالتها للذين استعاضوا بالكتاب الإلكتروني أو أنهم يقضون وقتهم في مطالعة ما يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتخلوا عن الكتاب الورقي، تقول النقبي: «لا تقدم هذه الوسائل للقارئ ما يمكن للكتاب الورقي أن يقدمه، فربما هي وسائل سريعة لإيصال المعلومة ولكنها لا تحافظ عليها، بينما الكتاب الورقي هو المرجع الدائم والواقعي بمعلوماته التي تنتقل من جيل إلى آخر، وتعود به بالذاكرة والحنين إلى ثقافة حيّة تتحدى الزمن».