بعد المشادة الكلامية التي حدثت بينها وبين إحدى زميلاتها في العمل والتي تعتبرها صديقة مقربة، شعرت بخيبة الأمل والإحباط، تمنت لو أنها قالت لها شيئاً، ولكنها كانت قلقة من أن يساء فهمها، لذا التزمت الصمت وانسحبت للحفاظ على السلام بينهم، وهذه هي الطريقة التي اعتادت ممارستها مع الآخرين.

انسحاب
جلست وحيدة في مكتبها وتوارت خلف الباب، تنظر حولها لترى تفاصيل الغرفة تلك التي لم تلاحظها من قبل، وفجأة أخذتها أفكارها لتفاصيل المواقف والذكريات المختبئة بين خلايا عقلها وقلبها، وكأنها تشاهد سلسلة أحداث حياتها على شاشة الفراغ المرسوم بالألم والوجع والخذلان، وتراءت لها وجوه لأقارب وأصدقاء وزملاء، وإذا بها تبكي بعد ما اكتشفت أنها كانت ترضي الجميع وتستجيب لرغباتهم وتحقق ما يطلبون، وأنها تنسحب بهدوء يريح الطرف الآخر ويحبس مشاعرها وانكسارها، ولم تتوقع أنها تلاقي كل ذلك بالنكران والنقد والاستغلال.

حيرة
ماذا لو كانت تتعامل بطريقة لا تخنقها بالألم، حيث كانت في مواقف تحتار فيها بين أمرين، إما أن تكون صامتة وتحبس مشاعرها وتبدو هادئة أو تغضب وتكون عدوانية، لذا فقد كانت تحتار الصمت والسلبية لاعتقادها بأنها ستكون سلبية.لماذا لا تستفيد من تجاربها السابقة، حيث إن البعض لا يتقبل منها الصراحة أو الاختلاف كما يجب، والسبب أنها لم تتعامل معهم كذلك، ففي أي علاقة صحية هناك اختلاف وتصالح وانكسار وترميم وهذا جزء طبيعي في العلاقة الإنسانية، ولكن من دون تجاوز الحدود، عندها يشعر الطرفان بالأمان عندما يتحدث كلٌّ منهما مع الآخر، لأنه يشعر بالقبول والتقدير والتبرير في كل الحالات.
سألت نفسها.. ماذا عن لغة الجسد؟ عندما يكون الشخص منفتحاً ومستعداً للحوار، يمكنها تعديل وضعها الجسدي أثناء الحديث، فذلك سيساعدها على الحوار الجيد ويؤثر في الدماغ والمزاج، لأن وضع الجسد والنفس العميق، يجعلها أكثر تركيزاً وقدرة على الحوار، والسيطرة على أفكارها وانفعالاتها.

الإنصات
هناك جانب مهم جداً في نجاح أو فشل العلاقات الاجتماعية، يجهله الكثيرون أو لا يعيرونه اهتماماً كبيراً إنه الاستماع أو الإنصات، عند التحدث لأحدهم علينا أن نتكلم ونستمع جيداً لأنه في كثير من الأحيان، هناك أحد الطرفين يستمع فقط ويوافق بصمت أو بإيماءات بين الحين والآخر، وهذا هو الشخص الضعيف والذي يعطي فقط، ولكنه غير مريح، وكذلك الشخص الذي يعبر عن نفسه من دون إعطاء الطرف الآخر مساحة للتعبير والتحدث.
لم تفكر سابقاً أنها إذا تحدثت إلى أحدهم لا يعني أنها في حاجة إلى قرارات بعد هذا النقاش، ويترجم ذلك من خلال الاتفاق مع الآخرين، بل في كثير من الأحيان ينشغل المتحدث بتحضير العبارات أو الجمل التي توضح اتفاقه مع محدثه، وكان عليها أن تركز على رأيها الخاص والمكون من قيمها وفكرها وخبراتها لتتميز بشيء مختلف.وفجأة.. تخاطب نفسها: إذاً من الآن فصاعداً سأضع مخاوفي بشأن مشاعر الآخرين جانباً، وسأبدأ بالتحدث والنقاش والاختلاف، وسأُغير أنماط التفكير التي تعيقني وتحتجزني عن التفاعل المباشر والتواري خلف مبدأ «العطاء»، والذي لا يتعارض مع إظهار ما أعتقد وما يجب مني ولي.