أعمل منذ شهور على نصٍّ مسرحي يفترض كارثة مدمرة تصيب كوكب الأرض، تؤدي إلى هجرة جماعية لبني البشر إلى كوكب المريخ، جنة عوضاً عن جحيم الأرض. كان النَّص في نسخته الأولى يقدم الحياة في الكوكب الجديد، بشكلٍ هامشي في أحد المشاهد، بصورة يوتوبيا، حيث العدل والمساواة والحرية والسيادة العليا للقانون. اعترض جوليان ويبر مخرج العمل على فكرة العالم المثالي بشدة، ومارس ضغوطاً كثيرة للحيلولة بين فكرتي وتنفيذها على خشبة المسرح، لأن العالم المثالي، على حد إيمانه، مستحيل، وراح يسألني عن العالم المثالي الذي أعرفه في مخيلتي، وسارعت أعدد له قائمة من مزاياه. ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة فتلكأت وصمتُّ فجأة. صعَّر خده رافعاً حاجبيه يدفعني لاستئناف عد المزايا، فأجبته صاغراً: مستحيل! وإمعاناً في مناكفتي سألني: هل نُبقي على ذلك المشهد في المسرحية؟ كررتُ جازماً: مستحيل!
يؤمن الرجل الستيني بأن الهدف الأسمى في الحياة ليس إدراك هذا العالم المثالي، لأن الإنسان في قرارة ذاته على يقين بأن شيئاً من هذا الحلم لن يتحقق، ولكن من الضرورة أن يبقى الحلم حياً، يحاول المرء إدراكه رغم استحالته، هذا هو العالم المثالي، ألا تكف عن الحلم والسؤال والمحاولة، أن يكون للحياة نصف معنى، أو ما يشابهه، خير من أن تكون بلا معنى.
وافقته على ما ذهب إليه: تنفيذ مثل هذا المشهد مستحيل. هزَّ رأسه: في المسرح والحياة. ثم حملق في وجهي صامتاً قبل أن يبتسم: ولكن لا تكف المحاولة.
من منا لم يحاول بلوغ العالم المثالي أو اليوتوبيا أو الأرض الحلم أو أرض الخلاص أو سمها ما شئت، كلنا نمارس الحياة من أجل بلوغها، مستحيل لا مناص عن الركض وراءه. سوف نمارس الحياة متسلحين بالحلم والمحاولة والسؤال نمضي نحو المستحيل.
المستحيل؟ ما المستحيل؟